البقرة والسكاكين

TT

«إذا طاحت البقرة كثرت سكاكينها» هذه النظرة أو النظرية الشعبية أجدها حاضرة بصواب رؤيتها في كل عملية سقوط بصرف النظر عن مدى الارتفاع الذي يسقط منه الشخص، وبغض البصر إن كان الساقط بقرة أو إنسانا، فكل ما يرتطم من أعلى إلى أسفل ينطبق عليه قانون الذبح، وحينها يتحسس الكل سكّينه لكي لا تفوته فرصة «التقطيع».

أول ارتطام شاهدته في حياتي صغيرا، كان ارتطام جارنا «السلطوي»، الذي كان يمشي في حاشية من توابع العظمة، يكلّم الناس من أنفه، فهم لا يستحقون منه تحريك عضلات فمه، وكان يمشي في ركابه منتفعون ومداحون، وطبّالون، وحينما ارتطم بالأرض تُرك وحيدا، ولم يجد من يُنهضه، وانهالت عليه يومها سكاكين الألسن، فلم تُبقِ منه شيئا، ولم يحتمل المسكين «البهدلة» بعد العز، فجمع حسناته وآثامه، ومضى للقاء رب رحيم.

يوم أن ارتطم ذلك الرجل بالأرض، وحدث له ما حدث، سمعت لأول مرة رجلا يردد عبارة «إن الدنيا يوم لك، ويوم عليك»، ومن يومها وأنا أتأمل الناس والأيام، وأنصت لأحمد عدوية حينما يغني «حبة فوق، وحبة تحت»، أشتاق إلى اليوم الذي لي، وأجزع من اليوم الذي عليّ، وأتمنى للطيبين أن تطول الأيام التي لهم، وأن يكفيهم الله شر الأيام التي عليهم.

أكبر ارتطام تابعته كغيري كان ارتطام صدام حسين، في اليوم الذي «له» امتلأت شوارع بغداد بالحناجر تهتف: «بالروح بالدم نفديك يا صدام»، وفي اليوم الذي «عليه» امتلأت شوارع المدينة بسكاكين الحناجر مرددة: «آخر يومك يا صدّام»!

وأنت «فوق» تظن أن الكل معك، وفي كل درجة في سلم الهبوط تتناقص ظنونك تدريجيا، وحينما تصل إلى الدرجة الأخيرة تجد الحقيقة وحدها في انتظارك، تقول لك إنك وحيد إلا مما قدمت، فانْعَم أو اشْقَ بعملك.

بعض الرائعين يستعصون على السقوط، إن هبطت بهم الدنيا امتطوا صهوة فضائلهم، فتحملهم قلوب الناس إلى مواقع استحقاقهم، ويبقى أعز مكان في الدنيا هو المكان الذي لا تقوى العواصف على إنزالك منه، ذلك المكان هو الذي تتكئ فيه مرتاح الضمير.

[email protected]