«وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ»..

TT

ونحن صغار كنا نجري ونلهث ولا يهمنا إن كانت الأرض تحت أقدامنا مستوية أو كلها زلط وحجارة. حتى لو كانت زلطا فنحن أقوى من الزلط وأصلب من الحجارة. نحن شباب.

ولما تقدمنا في السن بدأنا ننظر إلى الأرض تحت أقدامنا.. نرى الأحجار والبلاط والأسلاك ونتفاداها ولكن لا نبالي.. فلما تقدمنا في السن رحنا ننظر إلى الأرض طوال الوقت حتى لا نتعثر في طوبة أو حجر أو أحد الأسلاك الممتدة من السفن في النيل وارتبطت بالأشجار. ونحرص على أن نمشي نهارا، وليس ليلا. وإذا سرنا نهارا فالعقل والحكمة والرزانة والوقار تحتم علينا أن نمشي بخطوة قصيرة هادئة.. وليس السبب الوقار وإنما الخوف أن نقع. وإذا وقعنا انكسرنا، وإذا انكسرنا، وفي هذه السن، فالعلاج صعب!

وكان أستاذنا الحكيم يمسك العصا ويقول إن السبب في ذلك إنه يريد أن يضبط خطوته. والسبب الحقيقي أنه يستند إليها وليست لها مآرب أخرى. ولكنه لا يحب أن يقول إنه قد تقدمت به السن ولا بد من ساق ثالثة. والقرآن الكريم يقول: «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ».. وهو لا يريد أن تنكسه السن أو الصحة أو الشوارع غير المرصوفة..

فإذا تقدمنا أكثر وأكثر في السن.. فإننا نفضل أن نمشي في البيت وليس في الشارع.. وبدلا من أن نمشي في البيت ونصطدم بالأشياء وبمن في البيت فإننا نقتني «جهازا رياضيا» هو يمشي ونحن فوقه نلاحقه في المشي.. فكأننا نمشي ولا نمشي.

وإذا فكرنا – ونادرا ما يحدث ذلك - أن نمشي في الشارع علقنا من رقابنا قول الشاعر:

قدّر لرجلك قبل الخطو موضعها

ومن تقديرنا لرجلنا قبل الخطو قررنا ألا نمشي وإنما أن نتخيل ذلك، لا في اليقظة ولكن في النوم!