من يسمع للمعاقين في العالم العربي؟

TT

توقفت طويلا أمام الصورة المنشورة في هذه الصحيفة الأسبوع الماضي للأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وهو يجرب كرسيا متحركا للمعاقين خلال مناسبة إعلان العاصمة السعودية أول مدينة صديقة للمعاقين على مستوى المملكة. لم يكن هناك ما يدعو للاستغراب، لأن الأمير سلمان درج على أعمال الخير والبر ووهب لها الكثير من وقته وجهده، وذلك على نهج القيادة في المملكة، ويسير على دربه أبناؤه الذين يتولى عدد منهم مسؤوليات جمعيات خيرية وإنسانية. لكن الصورة استوقفتني لأن فيها دلالة ورسالة، ولأنها تتعلق بقضية تمس قطاعا من المواطنين في عالمنا يعانون كثيرا من التجاهل لمعاناتهم أو من التمييز ضدهم، كما كانت فيها عبرة، لأن المرء يتمنى لو تلتحق الكثير من مدننا بالرياض وتمد يدها إلى أبنائها المعاقين الذين يعانون في صمت أو يئنون فلا يسمع أنينهم أحد.

عندما يزور المرء بلدا غربيا يرى المعاقين في الشوارع وفي الحافلات والقطارات والأسواق والمكاتب، يقضون احتياجاتهم بأنفسهم ويؤدون دورهم من غير أن تعني الإعاقة التغييب أو العزل. أما في عالمنا العربي فتكاد لا ترى ذوي الاحتياجات الخاصة في الشوارع لأنهم في كثير من الأحيان سجناء في البيوت، عاجزون عن الخروج والحركة لغياب التسهيلات، أو منبوذون اجتماعيا، ومحجورون في المستشفيات والمصحات والدور الخاصة.

هذا التغييب في الكثير من المدن العربية يبدو أكثر وضوحا إذا نظرنا إلى الأرقام. فاستنادا إلى منظمة العمل العربية، هناك 20 مليون معاق في العالم العربي (أو أكثر حسب بعض التقارير الأخرى) يحتاجون إلى حماية حقوقهم وتوفير أبسط الاحتياجات لهم، والأهم من ذلك إلى تغيير نظرة المجتمع لهم ولمعاناتهم. فالإعاقة، كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة حول حقوق المعاقين، هي إعاقة المجتمع وليست إعاقة الفرد. والشخص الذي يعجز عن الحركة أو العمل يكون ضحية الصورة النمطية السلبية وتمييز المجتمع ضده، وعدم توفر التسهيلات التي تتيح له التحرك والعمل. كذلك فإن الطفل المعاق الذي لا يحصل على فرصة التعليم أسوة بأقرانه يكون ضحية المجتمع الذي لم يُتح له إمكانية الوصول إلى المدرسة أو يُوفر الاحتياجات الخاصة لتعليمه، أو ضحية نظرة المدرسين له ولما يعاني منه.

قد تكون المشكلة عالمية. لكنها في عالمنا العربي، بل وفي كل الدول النامية، تصبح أفدح بسبب غياب الوعي وقلة التسهيلات والإمكانات. فوفقا للإحصاءات الدولية يعاني واحد من بين كل عشرة أشخاص حول العالم من نوع من أنواع الإعاقة. أو بمعنى آخر هناك نحو 650 مليون إنسان يعانون من الإعاقة، 80% منهم يوجدون في الدول النامية. وبينما تتراوح نسبة المعاقين الذين يستطيعون الحصول على فرصة عمل في الدول الصناعية بين 30 و50%، فإن نسبة البطالة بين المعاقين في الدول النامية تصل إلى 90%، حسب إحصاءات منظمة العمل الدولية. أما بالنسبة للأطفال فإن أرقام منظمة اليونيسكو تعكس مأساة حقيقية، إذ إن 90% من الأطفال الذين يعانون من الإعاقة في الدول النامية لا يجدون فرصة التعليم في المدارس.

إن مفهوم الإعاقة في الكثير من بلداننا لا يزال أسير النظرة التقليدية والصور النمطية، فالإعاقة ليست اختيارا شخصيا وليست حكما بالعدم، كما أنها ليست تصريحا للمجتمع بإلغاء الإنسان أو حرمانه من أبسط الحقوق، لا لشيء إلا لأنه مصاب بإعاقة حركية أو ذهنية أو حسية أو أي نوع من أنواع الإعاقة الأخرى. فالمعاق يمكن أن يكون إنسانا منتجا ومندمجا في المجتمع لو أتيحت له الفرص المتساوية بدءا من التعليم وانتهاء بالعمل. وهناك الكثير من نماذج عباقرة في العلوم أو الفنون تغلبوا على إعاقتهم وتفوقوا على الأصحاء ليصبحوا أعلاما في مجالاتهم. فنحن نحتاج إلى تأصيل القيم الإنسانية ونشر الوعي والإدراك لاحتياجات شريحة لا يستهان بها من السكان لها كامل الحق في الرعاية والتعليم والتدريب، وفي الحركة والتنقل، وبلا شك في عدم التعرض للتمييز ضدهم.

في تدشينه للرياض مدينة صديقة للمعاقين، أعرب الأمير سلمان بن عبد العزيز عن سعادته بإطلاق برنامج الوصول الشامل الذي يسعى لتلبية احتياجات المعاقين في التنقل والاندماج في المجتمع، ودعا الجهات الحكومية والأهلية لتقديم المساندة لتحقيق هذا الهدف النبيل. ويتمنى المرء أن تصل هذه الدعوة إلى أبعد من الرياض، وتتردد في كل مدننا وقرانا لنقول للناس إننا أصحاء لأننا لا نتجاهل صوت وحقوق إخواننا أو أبنائنا أو بناتنا المعاقين.