الرسوم.. أيضا وأيضا وأيضا

TT

من بين بضعة شعارات تقليدية رددها متظاهرون باكستانيون احتجاجا على حملة «لنرسم محمد» الإلكترونية والتي كانت دعت إليها رسامة أميركية، بدا مشهد شبان حاملين لافتات كتب عليها شعار «الموت للفيس بوك» غير منسجم وخارج سياق هذا النسق من الاحتجاج الذي يتكدس فيه غاضبون رافعين قبضاتهم وملوحين بها لترهيب وتحذير من يعتبرونه قد مسّ بكينونتهم.

ربما ألفنا ترداد تهديدات الموت إياها، فمن «الموت لأميركا»، إلى «الموت للأعداء» وسلسلة لا تنتهي، لكن أن يرفق ذلك بالدعوة إلى موت موقع إلكتروني فهو أبرز ملامح التناقض بين الافتراضي والواقعي في أوضاعنا وأزماتنا وتعاملها مع ثورة الاتصالات.

في السياق نفسه، بدت إجراءات الحكومة الباكستانية بإقفال مواقع «يوتيوب» و«فيس بوك» و«تويتر» وقرابة الألف موقع إلكتروني آخر. تلك الخطوة التي أريد منها الردّ على حملة الرسوم الجديدة لكنها انتهت لتكون قمعا لأمر بات من غير المجدي أو من غير الممكن ضبطه وحجبه. إذ سريعا ما ستتمكن التقنية الحديثة من الالتفاف على محاولات الحجب والمنع، وهي بدأت ذلك فعلا.

إذن، القضية في جانبها التقني العملاني أو الواقعي ليست ذات جدوى. ما بقي من الأمر هو دلالته ورمزيته. فما انطلق كحملة وصفت بأنها لحماية حرية التعبير انتهى بتهديدات بالموت وبتظاهرات وبتراجع مطلقي حملة الرسوم المبتذلة تلك. لكن الأهم، أن ذلك الفتيل القابل للانفجار في أي لحظة ما زال مشتعلا وينذر بأزمات مقبلة تضاف إلى سجل حافل في العلاقة المأزومة بين المجتمعات الإسلامية والغرب.

كتب معلقون كثر نقدا لحملة الرسوم ومن بينهم معلقون غربيون لهم مكانتهم في الإعلام والثقافة. والمنتقدون، هاجموا حملة الرسوم الجديدة ليس لأن حساسيتهم إزاء حرية التعبير ضعيفة أو لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، بل لأنهم أدعى إلى مقاربة أكثر عقلانية وأقل استفزازا للواقع القائم في المجتمعات الإسلامية.

صحيح أن مطلقة حملة «لنرسم محمد» على موقع «فيس بوك» قد اعتذرت وسحبت دعوتها ورفضت أن تستغل حرية التعبير في الإساءة للإسلام، وصحيح أن «فيس بوك» قد أوقف الحملة وأن الأمر قد انتهى لكن هناك انتكاسة جديدة حدثت.

كان على المحتجين في مظاهرات باكستان وليكون لاحتجاجهم قيمة ووظيفة أن يختاروا وسيلة أخرى غير الدعوة لموت «فيس بوك»، إذ إن الأخير لا يموت حكما، فهو من ليس من طينة بمقدرونا الحكم عليها بالموت. فمثلما أتاح «فيس بوك» للدعوة المبتذلة للرسم فرصة هو يتيح فرصة للتصدي لهذه الدعوة وهو أمر حصل فعلا وهناك آلاف من المشتركين في صفحات انطلقت للردّ على حملة الرسوم.

حرية التعبير لا تتكرس بحملات من نوع تلك التي دعي إليها عبر «الفيس بوك»، تماما كما أن تقبل المسلمين واحترام معتقداتهم لا يترسخ عبر التهديد وعبر المناداة بالموت سواء لدول أو لمواقع إلكترونية.

diana@ asharqalawsat.com