تحية وعذرا

TT

لم تعرف الأرض محنة كمحنة الشعب الفلسطيني. لا في مداها ولا في عمقها ولا في ظلمها ولا في شتاتها ولا في تآمر القوى عليها. منذ الثلاثينات وهم شعب مر بمرير يائس، لا يثق بأحد ولا يأمن لأحد. شردهم الغرباء، وخانهم الأقرباء، ومل عذاباتهم وآلامهم الوسطاء.

تحت مظلة الألم وفي فرن المرارة والثنية فقد كثيرون من الفلسطينيين صبرهم، وفقد بعضهم آدابه وأخلاقه. ولكن أكثرية الشعب الفلسطيني طفقت تبني وتعمر وتربي في العالم العربي، وحيثما حل الفلسطيني في الهجرة كان من أنجح المهاجرين وأشجعهم، ولم ينس أحد منهم قضيته وأرضه ومظالم الذين بقوا فيها.

هناك ملاحظات كثيرة على ما يمكن أن يؤدي إليه ظلم البشر للبشر. عرفنا، في لبنان، تجاوزات كثيرة، وعرف الأردن والكويت مغامرات كثيرة، وأحلاما مريضة بوطن بديل، وهو نقض كلي ومطلق لجوهر القضية التي سببها اغتصاب أرض الغير. لقد كان للسياسيين الفلسطينيين، مثلما كان للسياسيين العرب، مثلما هو واقع العمل السياسي عبر التاريخ، كان لهم أخطاء صغيرة، وأخطاء كبيرة. وجلها من الأخطاء التي ترتكب في مناخات اليأس والأسى والشعور بالهوان. لكن كل ذلك يجب ألا ينسينا أمرين: الأول، القضية نفسها، كمسألة واقعة على ضمائرنا وضمير كل بشري. والثاني، يجب ألا ننسى مساهمة الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين، في بناء العالم العربي وفي نهضته وفي تقدمه. والله وحده يعرف كم كانت المساهمة ستكون أهم وأعم لو لم يكن مئات الآلاف من الفلسطينيين أسرى المخيمات وسجناء الفقر والبطالة والحذر العربي منهم.

ثمة فريق من حكماء فلسطين اختار العمل الأبقى؛ العمل الاجتماعي.. فريق بقي خارج السياسات وخارج النزاعات وخارج الفرقة البشعة، وكرس كل وقته والكثير من ماله وجهده لمساعدة أهل الداخل والخارج معا. هذا الفريق هو الذي أسس «مؤسسة التعاون» في جنيف وجعل منها وزارة شؤون اجتماعية موازية. وهذا العام تعقد المؤسسة مؤتمرها في بيروت، وإني شديد الأسف على غيابي، لكن لن يفوتني رفع تحية من القلب واعتذار إلى أركانها وأهلها جميعا.