نستورد العدالة أيضا؟

TT

كنت أتحدث عن تعاقدي مع «دار الريس» بشأن نشر روايتي «على ضفاف بابل»، وقلت إنها من دور النشر القليلة التي تتعاقد مع المؤلفين وتحترم حقوقهم. علق أحد الجلساء على كلماتي فقال: هذا صحيح.. إنه شيء تتميز به هذه الدار لأن صاحبها رياض الريس كان يعيش ويعمل في إنجلترا وتعلم ذلك من الإنجليز.

شيء عجيب! هل يعني ذلك أن المواطن العربي أو المسلم لا يحترم حقوق الناس إلا إذا ذهب إلى إنجلترا وتعلم على ذلك من الإنجليز؟ أين ذهبت إذن الشريعة الإسلامية وكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وما فعله وقاله الخلفاء الراشدون عن العدل وإعطاء كل ذي حق حقه؟ ذهب كله هباء وضياعا، وعلينا أن نتزود به الآن من الإنجليز والأميركيين والروس؟

أفهم أننا استوردنا الديمقراطية وتعلمنا الانتخابات منهم. هكذا نجد أن معظم رواد الحكم الديمقراطي درسوا وعاشوا في الغرب ورأوا الديمقراطية في العمل، فتشربوا بها وتبنوها بعد عودتهم إلى أوطانهم. ولكن يتعذر علي أن أفهم أنه أصبح علينا أيضا أن نذهب إلى الغرب ونقضي سنوات بينهم لنتعلم منهم احترام حقوق الناس.

إذا استمر الموقف بهذا الشكل وسمع الغربيون بنا، فلا أشك في أنهم سيبادرون عن قريب إلى تسجيل حقوق براءات العدالة في مكتب براءات المخترعات، فيطالبوننا بدفع أجرة براءة اختراع عن كل عمل عادل نقوم به أو قرار صحيح يصدره قضاتنا وحكامنا كما يطالبوننا الآن بالضبط عن كل دواء أو جهاز صنعوه لنصنع مثله. سيبعثون ممثلين عنهم يقيمون في عواصمنا فلا يسمعون بكاتب ينال أجرته من رياض الريس أو أي ناشر آخر إلا وطالبوه بحصتهم عن حصوله على حقوقه بناء على براءة العدالة المسجلة في سجل حقوق البراءة الدولي - فصل «مخترعات العدالة والمساواة».

إذا حصلت امرأة عربية على حقوقها من زوجها، أو نال عامل تعويضا عن فقدان ساقيه، أو تسلمت أرملة جندي عراقي قتله الإرهابيون معاشا من الدولة، أو حصل مريض بالسرطان على معالجة مجانية، فعليهم جميعا أن يدفعوا نسبة معينة مما حصلوا عليه إلى الدول الغربية التي علمتنا احترام هذه الحقوق.

كثيرا ما استغربت من مجيء طلبة مسلمين إلى لندن ليدرسوا فيها الشريعة الإسلامية على يد أساتذة نصارى إنجليز. المتوقع هو أن يذهب الإنجليز إلى بلادنا ليدرسوا فيها هذا الموضوع وليس العكس. هذه ظاهرة عجيبة. ولكن يبدو لي أن الطرفين يدركان حق الإدراك أن بعض المسلمين في الكثير من البلدان الإسلامية لم يعودوا يعرفون شريعتهم أو يلتفتون لما تنص عليه من مبادئ العدالة والحقوق والالتزامات. ولمَ الشدة! ندرسها في لندن أحسن. يعود الخريج إلى بلده فيتسلم أعلى المناصب ويشيرون إليه فيقولون هذا رجل عليم بحقوق الناس وحقوق المرأة. درس الشريعة في لندن.