إيران لن تسلم من المقاطعة رغم «الصفقة النووية»

TT

الاتفاق النووي الذي أبرمته تركيا والبرازيل مع إيران قد يكون أخّر ساعة إيران النووية مدة 6 أشهر، لكنه أظهر في الوقت نفسه أن لعبة الأمم الكبرى هي أقوى وأبعد من مصالح بقية الدول بما فيها إيران.

رفضت إيران في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ما اقترحته عليها الدول الأوروبية، لكنها الآن وافقت على هذه الشروط، وأبلغت تفاصيل موافقتها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ما حققته البرازيل وتركيا لا ينهي المشكلة، بل هو خطوة متواضعة تساعد على نزع فتيل الأزمة القائمة.

ثلاثة أمور لافتة في هذه الصفقة: الدور التركي، خصوصا أن أنقرة منذ توقيع الاتفاق تضغط على واشنطن للقبول به، مما دفع بعض المراقبين إلى التعمق أكثر بما تقوم به أنقرة وواشنطن، وعما إذا كان هناك من تنسيق بينهما.

الأمران الآخران، سبب موافقة روسيا والصين على قرار المقاطعة، وهما كانتا ترفضان بحث أي قرار من شأنه فرض المقاطعة على إيران. وإذا بهما، بعدما نجحت تركيا والبرازيل في جهودهما، تؤيدان العقوبات على إيران.

قال أحد المعلقين الأميركيين: إن روسيا والصين لم تقبلا أن تحل تركيا والبرازيل محلهما، لهذا كانت مشاركتهما في وضع مسودة قرار العقوبات. لكن هناك ما هو أبعد من «مبارزة» على إيران. العام الماضي، بذلت القيادة الروسية، وبالذات الرئيس ديمتري ميدفيديف، الجهود المتضافرة لتقوية علاقات روسيا الدبلوماسية والاقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة. وقبل أسبوعين نشرت مجلة «نيوزويك» بطبعتها الروسية وثيقة سرية تكشف عن قرار السياسة الروسية الجديدة بالخروج من زمن العزلة إلى تعاون أوسع وأكبر مع الغرب.

ويقول لي مسؤول غربي: «إن روسيا عارضت فرض المقاطعة على إيران، لأن الحكومة الروسية لم ترغب في تسجيل سابقة بحيث تبدو الأمم المتحدة قوية وقادرة على معاقبة الدول التي تتبع سياسات أمنية غير مقبولة. لكن بدورها الجديد المتجه نحو التعاون الدولي، تضاءل الخوف الروسي، لا، بل صارت تميل إلى دعم مواقف الأمم المتحدة بهذا الخصوص».

إن روسيا قد تكسب أمنيا واقتصاديا من فرض المقاطعة على إيران. الرئيس الأميركي بارك أوباما تراجع عن نشر الدروع الصاروخية في أوروبا الشرقية، وعلى الرغم من أن هذه الدروع كانت لحماية أوروبا من الخطر الروسي والخطر الإيراني، لكنها كانت بطريقة غير مباشرة تخدم روسيا بتوفير حماية دفاعية لها من صواريخ تطلق عليها من الشرق الأوسط. ومع احتمال تعرض روسيا لمثل هذه الهجمات، فإن من مصلحتها الأمنية كبح التوجه النووي الإيراني، وأيضا منع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، كرد على النووي الإيراني.

اقتصاديا، تتنافس روسيا وإيران على سوق الغاز الطبيعي الذي هو أساسي لاقتصاد الدولتين. الدولتان من أكبر منتجي الغاز في العالم. عام 2001 وقعت إيران صفقة مع تركيا لبيعها عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، ومدت أنابيبها في آسيا الوسطى. وبتمديد أنابيبها من تركيا باتجاه أوروبا تستطيع عندها إيران أن تنافس روسيا في أوسع سوق للغاز الطبيعي والأكثر ربحا. العقوبات الاقتصادية على إيران تمنعها من بيع غازها في أوروبا، فتصبح أكثر اعتمادا على الطاقة الذاتية، فتتقلص صادراتها.

وقد تكون الاهتمامات الاقتصادية السبب في إقدام الصين على الانضمام إلى أميركا وروسيا في الموافقة على المقاطعة، وأيضا هناك كوريا الشمالية.

وكان الرئيس أوباما قد خفف من ضغط واشنطن على الصين فيما يتعلق بالتلاعب بالعملة، وأخّر قرارا كان سيصدر عن الكونغرس الأميركي يدين سياسة الصين بالنسبة لربط عملتها بالدولار، الأمر الذي كان سيصيب دخلها التجاري بأزمة كبرى.

صحيح أن هناك فترات من التوتر الدبلوماسي تتخلل العلاقات الأميركية - الصينية، لكن الروابط الاقتصادية بين الدولتين قوية وضرورية جدا لاقتصادهما. والصين بحاجة إلى الفوائد الجمة التي تعود عليها من تجارتها مع الولايات المتحدة.

من جهة ثانية، جاءت المقاطعة على إيران مع اتهام كوريا الجنوبية لكوريا الشمالية بأنها وراء إغراق البارجة «تشونان» الأمر الذي أدى إلى مقتل 47 بحارا. وتزامن هذا مع الزيارة التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون ووزير الخزانة تيموثي غايثز إلى الصين وكوريا الجنوبية واليابان.

وتجد سيول صعوبة في التوجه إلى مجلس الأمن من دون دعم الصين وروسيا لمعاقبة كوريا الشمالية. لذلك، من غير المستبعد أن تؤكد الصين التزامها بدعم قرار المقاطعة الدولية على إيران، إذا عبرت واشنطن عن استعدادها لمعالجة إغراق البارجة «تشونان» على المستوى الإقليمي بمشاركة الصين وكوريا الجنوبية واليابان أيضا، من دون اللجوء إلى الأمم المتحدة.

من جهة إيران، لم يرافق موافقتها على الصفقة مع تركيا والبرازيل، وأيضا على توزيع مسودة قرار المقاطعة، أي تهديد علني بقطع الأيدي أو الأرجل التي ستمتد، كما جرت العادة، وبعد تقديمها الاتفاق إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدأت مناورات عسكرية، حيث قال المعلق: الجيش الإيراني هو أقوى جيش في العالم (!). وحده وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي قال في 19 مايو (أيار) للصحافيين: «لن يمر أي قرار دولي في مجلس الأمن، لا تأخذوا هذا الأمر بجدية».

قد تكون طهران تشعر بأن الكرة ستخرج من مرماها إلى أقدام لاعبيها، وعندها ستكون لها اليد العليا. الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى تطبيق جدولها الزمني بالانسحاب من العراق في نهاية هذا الصيف، وتستطيع أن تبدأ ذلك إذا تلقت ضمانات من الشيعة العراقيين وحليفهم إيران، بأن السُّنة سيندمجون في العملية السياسية العراقية. أيضا ما زالت أميركا ودول الحلف الأطلسي تواجه حربا في أفغانستان حيث لإيران نفوذ كبير.

ثم إن إيران استوعبت التصريحات الروسية والصينية القائلة إن اللغة التي جاءت في مسودة القرار «يمكن لبكين وموسكو العيش معها»، وبأن القرار سيكون من «دون أسنان مسنونة». والأهم بالنسبة إلى طهران أن مسودة القرار لم تأت على ذكر الحصار النفطي.

ما يجب أن لا يغيب عن الانتباه الإيراني هو مواقف روسيا والصين تجاه برنامجها النووي. روسيا كررت مرارا أنها تتوقع الكثير من المرونة من طهران. ومهما وعدت ببيع طهران صواريخ «إس 300»، فإنها لن تفي بوعدها لأسباب تتعلق بأمنها القومي.

أما الصين فعبرت عن موقفها تجاه إيران في تعليقين صدرا في صحيفة «غلوبال تايمز» في العشرين من الشهر الجاري. الأول باللغة الإنجليزية للقارئ الغربي والآخر باللغة الصينية للقارئ المحلي. في الأول جاء: «ادعاء إيران بأنها أهل للثقة يكون أكثر إقناعا إذا كانت هناك شفافية في برنامجها النووي».

وفي المقال باللغة الصينية جاء: «للخروج من المأزق، على إيران القيام بخطوات ملموسة لإقناع العالم بأنها لا تهدف إلى الحصول على أسلحة نووية».

ربما لن تؤدي المقاطعة بإيران إلى تغيير أساليبها، وقد يكون حصولها على السلاح النووي أمرا صار شبه قائم. لكن صدور قرار دولي بالمقاطعة قد يبطئ من توجهها النووي، وفي الوقت نفسه يسمح للدول التي بدأت تشعر بالخطر النووي الإيراني بإيجاد خيارات أخرى. ثم إن انضمام الصين وروسيا إلى قرار المقاطعة قد يشكل لحظة فاصلة بالنسبة لأهداف الرئيس أوباما بجعل الدول المارقة مرادفة للدول المنبوذة».