الاتفاق الإيراني

TT

من يمكنه أن ينسى العبارة التي قالها محمود أحمدي نجاد لدى إعلانه أن الوضع داخل إيران على صعيد تخصيب اليورانيوم أشبه بقطار يسير من دون مكابح!

لقد توصلت إيران إلى التقنية اللازمة لإنتاج وقود نووي، وبات مضي إيران قدما على هذا الصعيد أشبه بقطار يسير على طريق في اتجاه واحد ولا مجال أمامه للتوقف أو تحويل مساره، حسبما أخبر الرئيس حشدا من القيادات الدينية. وقال: «لقد تخلينا منذ فترة عن جهاز تحويل المسار والمكابح الخاصة بالقطار».

اليوم، يبدو أنه من غير الصحيح أن القطار يسير في اتجاه واحد فحسب، وبدا واضحا أن القطار به مكابح وجهاز لتحويل المسار. والتساؤل الذي يفرض نفسه حاليا: لماذا قبلت إيران ووقعت على الاتفاقية الثلاثية مع تركيا والبرازيل؟ وكيف يبرر أحمدي نجاد هذا الاتفاق؟

لقد شاهدنا جميعا أحمدي نجاد وهو يرفع عاليا يد كل من رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، ولويز إيناسيو لولا داسيلفا، الرئيس البرازيلي، ليظهر للعالم انتصاره؟ لكن هل كان هذا نصرا بحق؟

الاثنين الموافق 17 مايو (أيار) 2010، أعلنت إيران اتفاقا لشحن بعض من وقودها النووي إلى تركيا. وتضمن الاتفاق عشرة بنود أو أوامر، لأن بعض الصحافيين الإيرانيين قارنوا بين الاتفاق والوصايا العشر الخاصة بالنبي موسى. وفي البداية، أود التركيز على النص الكامل للاتفاق.

«الإعلان المشترك لإيران وتركيا والبرازيل (17 مايو (أيار) 2010)»:

بعد اللقاء في طهران داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وافق الموقعون أدناه على الإعلان التالي:

1) نعيد التأكيد على التزامنا بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وبالتوافق مع البنود المعنية المنصوص عليها في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، نذكر بحق جميع الدول الأطراف، بما فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في تنمية جهود البحث وإنتاج واستغلال الطاقة النووية (وكذلك دورة الوقود النووي، بما في ذلك نشاطات التخصيب) للأغراض السلمية من دون تمييز.

2) نعبر عن قناعتنا القوية بأن هناك فرصة الآن للشروع في عملية تطلعية نحو الأمام من شأنها خلق مناخ إيجابي بناء لا يقوم على المواجهة يؤدي في النهاية إلى حقبة من التفاعل والتعاون.

3) نعتقد أن تبادل الوقود النووي يشكل عنصرا جوهريا في دفع عجلة هذا التعاون في مجالات مختلفة، خصوصا في ما يتعلق بالتعاون النووي السلمي، بما في ذلك بناء منشآت طاقة نووية ومفاعلات بحثية.

4) بناء على هذا، فإن اتفاق تبادل الوقود النووي يشكل نقطة بداية يمكن أن نبدأ من عندها التعاون واتخاذ خطوة إيجابية بناءة قدما بين الدول. ومن شأن هذه الخطوة الوصول بنا إلى تفاعل إيجابي وتعاون بمجال الأنشطة النووية السلمية بحيث يحلان محل ويتجنبان جميع صور المواجهة عبر الامتناع عن الإجراءات والأفعال والبيانات الخطابية التي تعرض حقوق إيران والتزاماتها في ظل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية للخطر.

5) بناء على ما سبق، ومن أجل تيسير التعاون النووي سالف الذكر، توافق الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إيداع 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب في تركيا. خلال وجوده في تركيا، سيبقى هذا اليورانيوم منخفض التخصيب ملكا لإيران. ويحق لإيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إيفاد مراقبين لمراقبة سلامة تخزين اليورانيوم منخفض التخصيب داخل تركيا.

6) ستخطر إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية كتابيا عبر قنوات رسمية باتفاقها مع الأطراف سالفة الذكر في غضون سبعة أيام من تاريخ الإعلان. بمجرد صدور استجابة إيجابية من جانب «مجموعة فيينا» (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والوكالة الدولية للطاقة الذرية)، ستجري صياغة مزيد من المعلومات التفصيلية المتعلقة بصفقة التبادل عبر اتفاق مكتوب وترتيبات مناسبة بين إيران و«مجموعة فيينا» تلزمهم على وجه التحديد بتوفير 120 كيلوغراما من الوقود اللازم للمفاعل البحثي في طهران.

7) لدى إعلان «مجموعة فيينا» التزامها بهذا البند، سيلتزم الطرفان بتنفيذ الاتفاق المذكور في البند 6. وقد أبدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استعدادها لإيداع اليورانيوم منخفض التخصيب الخاص بها (1200 كيلوغرام) في غضون شهر واحد. على أساس الاتفاق ذاته، ينبغي على «مجموعة فيينا» توفير 120 كيلوغراما من الوقود اللازم للمفاعل البحثي في طهران في غضون فترة لا تتجاوز العام الواحد.

8) حال عدم احترام بنود هذا الإعلان، ستعيد تركيا، بناء على طلب من إيران، بسرعة ومن دون شرط اليورانيوم منخفض التخصيب الإيراني إلى إيران.

9) نحن نرحب بقرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاستمرار، كما كان الحال في الماضي، في المحادثات مع الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بجانب ألمانيا داخل تركيا بناء على المصالح المشتركة القائمة على الالتزام الجماعي طبقا للنقاط المشتركة لمقترحاتهم.

10) تقدر تركيا والبرازيل التزام إيران بمعاهدة حظر الانتشار النووي وبدورها البناء في السعي إلى الحصول على الحقوق النووية للدول الأعضاء بها. وبدورها تقدر الجمهورية الإسلامية الإيرانية الجهود البناءة للدولتين الصديقتين تركيا والبرازيل في إنشاء بيئة مساعدة على تحقيق الحقوق النووية لإيران.

هل هذا تكتيك جديد، أم استراتيجية جديدة؟ إن هذا سؤال خطير للغاية يواجهنا. تريد أميركا وإسرائيل إظهار أنه تكتيك جديد، وأن إيران تلعب الآن لعبة تضييع الوقت. فعلى سبيل المثال، كتب مايكل سلاكمان في صحيفة «هيرالد تريبيون» ليقول إن إيران قبلت الاتفاق في صفقة قد تعرض حلا قصير المدى لمواجهتها النووية مع الغرب، أو تثبت أنه تكتيك يهدف إلى عرقلة الجهود الرامية إلى فرض عقوبات ضد طهران («هيرالد» 18 مايو/ أيار).

وعلى الجانب الآخر، لدى أميركا وبعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا شكوك خطيرة بشأن حسن نية إيران. وقال روبرت غيبس، المتحدث باسم البيت الأبيض، في بيان: «في ما يتعلق بإخفاق إيران المتكرر في الوفاء بالتزاماتها، والحاجة إلى معالجة قضايا جوهرية متعلقة ببرنامج إيران النووي، فإن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ستكون لديهما مخاوف خطيرة بصورة مستمرة».

واتهم مسؤول إسرائيلي بارز إيران بالتلاعب بتركيا والبرازيل بشأن صفقة لشحن جزء من اليورانيوم منخفض التخصيب لديها إلى تركيا مقابل الحصول على الوقود اللازم لمفاعل البحث في طهران، حسبما ذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في 17 مايو. وقال إن الإيرانيين نجحوا في هذه الخدع في الماضي عن طريق التظاهر بقبول إجراءات لتخفيف حدة التوترات وتقليل مخاطرة فرض عقوبات دولية، ثم رفضت في ما بعد مواصلة ذلك.

أود دراسة التكتيك الجديد في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي من منظور آخر. يبدو بالنسبة إليّ أن الحركة الخضراء في إيران تنمو يوما بعد يوم. ولن تستطيع الحكومة الإيرانية القضاء على هذه الحركة أو حلها عن طريق استخدام العنف. وعلى الجانب الآخر، لا تستطيع الحكومة العثور على طريقة للتخلص من الحركة الخضراء. ويبدو الأمر مثل ركوب نمر كما يفسر إيفولا في كتابه.

لقد عرض إيفولا حلا في كتابه «ثورة ضد العالم الحديث» لمشكلة المعيشة في العالم الحديث، والتي تختلف عن الثورة الرجعية التي دافع عنها في كتاب «رجال بين الحطام». والاستعارة الأساسية في الكتاب هي عنوانه. يقول إيفولا إنه لكي يعيش في العالم الحديث، ينبغي لرجل متنور أو مميز ركوب النمر.

والحركة الخضراء مثل النمر، وتريد الحكومة ركوب هذا النمر بطريقتها الخاصة. لذا تحتاج الحكومة إلى السيطرة على الحركة. وكل يوم في الإذاعة والتلفزيون الرسمي في إيران وغيرهما من وسائل الإعلام يقولون إن الفتنة الخضراء انتهت، لكنهم يعرفون أن الكلام سهل، لكن السيطرة مستحيلة. لذا، قبلوا بالتوقيع على الاتفاقية الجديدة مع تركيا والبرازيل، من أجل حل الأزمة النووية، أو للحد من الضغوط المفروضة من جانب أميركا وأوروبا. كما أنهم سيعثرون على فرصة للسيطرة على الحركة الخضراء. وهذا هو السر وراء الاتفاقية الجديدة.

ومن ناحية أخرى، إذا واجهت الحكومة الإيرانية موقفا صعبا، مثل العقوبات المستمرة والهجمات العسكرية، فإن مثل هذا الوضع سيفرض ضغوطا سلبية على الحركة الخضراء. ولهذا السبب، أيد الكثير من الشخصيات الموالية للحركة الخضراء الاتفاقية. وعلى الأقل، فإنه من المستحيل بالنسبة إلى أحمدي نجاد وحكومته القول إن القطار ليس به مكابح.