مناورات.. للخارج أم الداخل؟

TT

لافت، على الصعيدين العسكري والنفسي، أن تركز مناورات الجيش الإسرائيلي الأخيرة على هدف «حماية» الإسرائيليين من هجوم محتمل بالصواريخ على مدنهم وقراهم.

ولافت أيضا أن تدرج إسرائيل هذه المناورات في خانة استخلاص العبر من حربها على لبنان عام 2006 وحربها الأخيرة على قطاع غزة الفاشلتين بكل مقاييس حروبها الصاعقة في السابق.

لا جدال في أن استخلاص عِبر الحروب وتقويمها، عسكريا، يحتاجان إلى محلل عسكري ملمّ بـ«فلسفة» إسرائيل لحروبها.

ومع التسليم بأن «الدفاع المدني» جزء لا يتجزأ من مخططات إسرائيل لحروبها الهجومية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في سياق شعار المناورات الأخيرة للقوات الإسرائيلية قد يكون: هل عدّل سلاح الصواريخ متوسطة المدى موازين القوى، العسكرية والنفسية معا، بين إسرائيل والعرب لتصبح إسرائيل بحاجة إلى تطوير استراتيجية خاصة بـ«حماية» مواطنيها بعد أن كانت، ولغاية ما بعد حرب عام 1973، لا تملك سوى ملجأ واحد للمدنيين في تل أبيب.. أو بتعبير أدق: هل أصبحت الصواريخ - حتى بنموذجها القديم «السكود» - هاجس إسرائيل الأمني؟

في أعقاب الضجة التي أثارتها إسرائيل حول تهريب صواريخ «سكود» عبر الحدود السورية إلى لبنان، لم يعد من المبالغة في شيء الحديث عن «هاجس صواريخ» في إسرائيل. وربما كان أفضل دليل على تحول مخاوف إسرائيل من الصواريخ إلى «هاجس» قومي، حرصها على أن يثير أعلى مرجع سياسي فيها، أي رئيس الدولة شيمعون بيريس، شخصيا، شائعة وصول صواريخ «سكود» إلى لبنان وأن يوظف زيارته الرسمية إلى باريس، في أبريل (نيسان) الماضي، للترويج لها.

في الواقع، «هاجس الصواريخ» يعكس أكثر من تحول استراتيجي واحد في ميزان القوى العربية - الإسرائيلية منذ آخر حرب كلاسيكية عام 1973.

أبرز هذه التحولات انقضاء عهد الحروب الكلاسيكية التي تخاض بعيدا عن الداخل الإسرائيلي (على الحدود في أسوأ الحالات وداخل الأراضي العربية في معظمها). والعبرة الأولى من حرب عام 2006 والحرب على قطاع غزة، كانت في إثباتها أن الداخل الإسرائيلي لم يعد بعيدا عن مدى الصواريخ العربية، الأمر الذي لم يعتده المواطن الإسرائيلي في عهد الحروب الكلاسيكية.. مما يجعل حروب إسرائيل - وحكومة إسرائيل - عرضة لضغوط الشارع في حال فشلت في تحقيق أهدافها بالسرعة المعتادة.

أما التحول الآخر الذي تجهد إسرائيل للتغطية عليه بشتى الذرائع، فهو انقضاء عهد حروبها المبررة في نظر الغرب على الأقل، أي المرحلة التي كانت تقنع فيها العالم بأنها تحارب دفاعا عن «وجودها» وليس لتوسيع حدودها، فلم يعد سهلا على آلتها الدعائية تبرير أي حرب جديدة بأنها حرب ضرورة لا حرب خيار، بينما المطروح، عربيا، مشروع تسوية سلمية.

أما التحول الأخطر، فقد يكون انقضاء عهد حروب «الجبهة الواحدة»، فأي اختراق للجبهة اللبنانية أو السورية مرشح لأن يتحول إلى حرب إقليمية في ظل شبكة التحالفات الراهنة في المنطقة، وربما إلى حرب تورّط صواريخ إيران أيضا، إن لم يكن لحسابات عربية فعلى الأقل لحسابات تتعلق بملفها النووي.

على هذه الخلفية، يمكن تقييم ملاحظة الرئيس السوري، بشار الأسد، لوزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، بأن المنطقة «تغيّرت»، وأن اللغة والسياسات والمقاربات التي كان الغرب يستخدمها معها «لم تعد مقبولة».

وربما تصح، على هذه الخلفية أيضا، قراءة ما قاله مسؤول أميركي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» من أن احتمال وقوع حرب أخرى في المنطقة سيكون «كارثة» هذه المرة (عدد 24/05/2010).

وعلى هذه الخلفية أيضا، يجوز التساؤل: هل مناورات إسرائيل الأخيرة برسم الخارج أم برسم الداخل.. أو هل هي للتهويل على الدول العربية أم لرفع معنويات الإسرائيليين؟