خطار عنا.. الخطر!

TT

لا يمكن إلا أن تقارن بين الوضع العراقي والوضع البريطاني. انتخابات شاملة تمت في البلدين بمجملها كانت انتخابات نزيهة وسوية ولم تلق الاعتراض إلا في أضيق الحالات في الحالة العراقية وتم إعادة فرز الأصوات وبقيت النتائج على ما هي عليه. وفي الحالتين لم تكن هناك أغلبية هائلة تمكن أيا من الفريقين الفائزين من تشكيل الحكومة الجديدة بشكل منفرد.

البريطانيون حسموا المسألة بشكل حضاري ولائق وتم الاتفاق بين حزبين من الأحزاب المترشحة في السباق الانتخابي على تشكيل الحكومة الجديدة ومنح الفريق المساند حفنة من الوزارات ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء. وهكذا حُسمت الأمور وبشكل سلس والتقطت الصور التذكارية أمام موقع رئاسة الوزراء البريطانية 10 داوننغ ستريت الشهير، وبدأ العمل وانتهت القصة.

في العراق فاز إياد علاوي وقائمته «العراقية» وسُحبت بعض الأصوات وشُكك في نتائج بعض الدوائر وأعيد فرز الأصوات وعُنف بعض أنصاره وقتل آخرون منهم، ومع ذلك ظلت النتائج على ما هي عليه، ورئيس الوزراء الحالي، الذي خسر الانتخابات، يرفض الاعتراف والتسليم بالنصيحة، ولا يقبل التنازل عن الحكم في مشهد «صدامي» بامتياز. حاول استمالة أعداء البعث واستمالة رموز المرجعيات الدينية ولم ينفعه ذلك. حاول التشكيك في النتائج ولم ينفعه ذلك. وتبقى الحقيقة الكبرى؛ هي أنه «خسر» الانتخابات، وهو يذكرنا بما كان يقوم به العماد ميشال عون لتوزير صهره زوج ابنته بأي وسيلة وإلا ظل معترضا على الوزارة الجديدة في لبنان.

الديمقراطية ليست دستورا جديدا يؤلف وأحزابا جديدة تُشكل، ولا فوضى كلامية يطلق لها العنان في الفضاء، لكنها مسؤولية وفكر وقبول لمبدأ الخسارة وتداول السلطة. وهذا ما يبدو غائبا في المشهد الديمقراطي العراقي، الذي لا يتحمل هكذا تصرفات وسط مجتمع نخرته الطائفية والعنف الآتي معها بشكل واضح ومؤلم. إننا اليوم أمام عداد للوقت يمضي ويرسخ أكثر للفراغ السياسي ويعبئ الإحساس بالظلم في ذهنية الفريق المنتصر ولم يُمكَّن من المنصب، وهذا سيصب تماما في اتجاه تأجيج الوضع السياسي والأمني وزيادة رقعة القلق والاضطراب.

إياد علاوي وانتصاره كان صفحة مهمة في التاريخ السياسي العراقي، فهو يعيد العراق لنفسه ويبعده عن التبعية لإيران، ويبرز الجانب العلماني المطلوب الذي تخمد فيه نيران الطائفية المسعورة، ويثبت أن الحكم من الأحزاب الطائفية لم يفلح حتى ولو جاء بأغلبية. فهو يفشل في تكوين قاعدة وطنية سوية تجذب إليها الكل، ولكنه يحكم بعصا الفريق الواحد، وهذا لن يحقق سوى القسمة والتشكيك والمناخ المدمر.

التأخير في منح الفريق الفائز فرصة تشكيل الحكومة في العراق لم يعد من الممكن النظر إليه بحسن ظن، ولكنه تحول إلى أداة ضغط و«فزاعة» يمكن إطلاقها لتتحول إلى «حمم من اللهب» تلتهم الآخرين. العدالة والمنطق وفروسية الرجال تقتضي انسحاب نوري المالكي والاعتراف بشجاعة بخسارته في الانتخابات وتسليم إياد علاوي المنصب ومنحه الفرصة الحقيقية والعادلة لتشكيل حكومته، وغير ذلك هو استخفاف ولعب بالنار.