القياديون الصغار!

TT

أغرب إعلان وظيفي قرأته كان في صحيفة عربية وجاء في نصه التالي: «مطلوب موظف مبيعات من سن 20 إلى 30 سنة، ومدير إدارة من 30 - 40، ومدير عام من 40 - 50 سنة». لقد حيرني هذا الإعلان الغريب الصادر عن «شركة خاصة». لماذا توقع صاحبه أن من يقود الشركة أو مديرها العام سوف يكون فعالا إذا كان في العقد الرابع من عمره، أو في عقده الثالث حتى يكون مدير إدارة مناسب. ألم يكن حريا بواضع الإعلان أن يذكر سنوات الخبرة بدلا من العمر؟ يقود بريطانيا حاليا أصغر رئيس وزراء منذ 200 عام وهو ديفيد كاميرون وعمره 43 عاما. كما تسلم مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 9 رؤساء لم تتجاوز أعمارهم 49 عاما، وهو معدل العمر الذي تراه الشركة المعلنة مناسبا لقيادتها!

واقع الحال يشير إلى أن هناك كثيرا من القياديين العرب والغربيين الذي يقودون مؤسسات ناجحة وهم في ريعان شبابهم، لأنهم يتمتعون بمهارات جعلتهم يتبوأون أعلى المراتب، وأذكر منهم الإعلامي السعودي الشهير عثمان العمير الذي صار رئيس تحرير صحيفة وهو في سن 28 سنة، ورئيس شركة «ديل» أصغر رئيس تنفيذي في أفضل 500 شركة أميركية وعمره لم يتجاوز آنذاك 26 سنة. وهناك مئات من الشباب العربي الذين يديرون محافظ بمئات الملايين ويحققون أرباحا طائلة.

القيادة في علم الإدارة لا تعتمد على عمر الإنسان، بل على قدرته على تحريك الناس نحو تحقيق الهدف، من دون زجر ولا نهر، ولكن بسحر تلك الشخصية الكاريزمية (الفعالة) التي تجعلك تقبل على تنفيذ الخطط والاستراتيجيات بهمة وحماس. فكم قائد حول بخطبته الحماسية إحباط شعب كامل إلى وقود قاده نحو تحقيق ثورة وطنية في بلاده. وكم من مدرب كرة أوقد الحماسة في قلوب اللاعبين فقادهم إلى تحقيق نصر ساحق، على الرغم من تواضع مهارة أو لياقة اللاعبين أمام الخصم. وفي بعض الشركات يدخل أعضاء مجلس الإدارة اجتماعهم مع الرئيس التنفيذي وهم متفقون على ضرورة توبيخه على تدهور النتائج المالية، لكنهم سرعان ما يفاجأون ببراعة الرئيس في صد التهم وتبرير موقف الشركة، بل إن هناك من القياديين من يقلب خصمه إلى حليف بحسن بيانه ومنطقه وحكمته في التعامل مع الناس وعدم إفراطه في ردود الفعل، التي يدفع ثمنها عادة القائد المتهور حتى ولو كان كبيرا بالسن. واقع الحال يظهر لنا أنه ربما تتجمع في قائد شاب من الحكمة والحنكة ما تفرقت في عشرة من كبار السن، لا الذين يؤثرون في أحد، وإنهم تبوأوا مناصبهم ليس لسبب سوى أنه قد «جاء دوره» بحسب اعتبارات الأقدمية.

لو تخلصنا نحن العرب «قدر الإمكان» من مشكلة الأقدمية في القيادة، لنعمنا بطاقات شبابية عربية مهدرة، لا نوليهم اهتماما يذكر لأنهم لا تنطبق عليهم نظرية «قادة كبار بالسن»! هناك حادثة تاريخية شهيرة تصور لنا كيف كان النبي القائد، صلى الله عليه وسلم، لا يضع لاعتبارات السن اهتماما يذكر في القيادة، أحيانا، حيث ولى أسامة بن زيد على جيش كان فيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وكبار الصحابة، بل سمي الجيش بـ«جيش أسامة»، لأنه كان في أسامة المهارات اللازمة لتلك المهمة العسكرية فتولى أمر القيادة، من دون معارضة آخرين. وإحدى الروايات تشير إلى أن عمره كان آنذاك 16 سنة.

درسنا في الجامعة أن بوادر القائد الصغير تظهر عندما يبرع الطفل في قيادة فريق الكرة في المدرسة، عندئذ يجب أن ينتبه إليه المسؤولون وينمو قدراته، والأمر نفسه ينطبق على النقابات واتحادات الطلبة. وكذلك الحال في الشركات ومؤسسات الدولة، إذا ما رأت في شاب بوادر سمات القائد الفذ فلا بد من تنميتها وصقلها بالدورات التدريبية وتكليفه بمهام قيادية محددة تمهيدا لتقديمه لمنصب قيادي رفيع حتى يكون مثالا يحتذى للقائد العربي الصغير.. الفعال.

[email protected]