ليس لديه «نمرة واستمارة»

TT

لا أريد أن أناقش موضوع قيادة المرأة للسيارة، فالموضوع برمته أصبح مملا وغير مستساغ، نظرا إلى أن كل من تصدى له أصبح كالنافخ في الرماد، ومثلما هو معروف عني، فإنني لست من عشاق النفخ في الرماد، ولكنني أحيانا أكون من عشاق السير حافيا على الجمر الملتهب؛ وذلك عندما يكتنفني الحزن وقلة الحيلة، فأؤجر الطابق العلوي من رأسي لقريني الذي لا تأخذه «بالجنون والجهل» لومة لائم.

فقد سمعت، رغم أنني لم أكن شاهدا على ذلك، أن هناك امرأة، وذكروا اسمها، وهي بالمناسبة مكتملة «عقليا وبدنيا ونفسيا ووظيفيا»، ركبت سيارتها في الصباح الباكر وانطلقت تسوقها وحيدة للذهاب إلى مدرستها، حيث تعمل مديرة. وفي الطريق لفتت أنظار رجال الشرطة فأوقفوها معترضين على سياقتها، وكانوا والحق يقال مؤدبين معها، وحجتهم أنهم يريدون المحافظة عليها بحكم أنها وحيدة وليس معها سائق، ولو أن سيارتها تعطلت لا سمح الله سوف تكون في وضع حرج، أنزلوها وأخذوا عليها تعهدا بعدم تكرار ذلك، وأركبوها تاكسي، فشكرتهم وذهبت وأرسلت بمن يأتي بسيارتها.

وفي اليوم الثاني ركبت سيارتها وساقتها بنفسها كذلك، ولكنها أركبت سائقها معها في الكرسي الخلفي، فاستوقفها أيضا رجال الشرطة، فقالت لهم إنكم في المرة الأولى منعتموني بحجة خوفكم علي من الإحراجات بحكم أنني امرأة وحدي ولا بد أن يكون معي سائق، وها أنذا أتيت بسائق ليحميني ويصلح السيارة لو أنها تعطلت. فقالوا لها: إننا تأدبا منا قلنا لك ذلك أمس، أما اليوم فإننا نؤكد ونمنعك نهائيا من قيادة السيارة، وقدموا لها ورقة لتكتب لهم تعهدا خطيا ثانيا وتوقع عليه بأنها لن تقود السيارة بعد ذلك، فامتثلت لهم، وكتبت لهم بكل أريحية ما أرادوا، ورجعت للكرسي الخلفي، وقاد السائق السيارة.

ولكنها في اليوم الثالث أقدمت على خطوة مختلفة، وإذا بها في الصباح تركب من منزلها (بسكليتة)، أي دراجة هوائية، وتقودها متجهة إلى مدرستها، وعبرت بها في شارع رئيسي ومزدحم، وانتبه لها رجال الشرطة وحاولوا اللحاق بها ولكن سيارتهم علقت في زحمة السير والإشارات فيما كانت هي تدخل وتلتف بين السيارات، وبعدها دخلت في شوارع جانبية، واستمرت المطاردة بينها وبين الشرطة أكثر من ساعة، وهي ذكرتني بالمطاردات الكرتونية الشهيرة بين «توم وجيري»، المهم أنهم أخيرا استطاعوا السيطرة عليها، وقالوا لها كيف فعلت هذا وقد أخذنا عليك تعهدا؟!، فقالت لهم: صحيح أنني تعهدت لكم بأنني لن أقود سيارة، ولكن هذه دراجة، فقالوا لها: وحتى هذه ممنوعة، وأمروها أن تكتب تعهدا ثالثا ألا تقود بعد ذلك أية «آلة صناعية متحركة»، وكتبت لهم ما أرادوا.

أما في اليوم الرابع فقد خرجت عليهم بما لا يخطر على البال، إذ أنها أحضرت حمارا وألبسته «بردعة» ودندشته، وراحت تسوقه في الشارع العريض وسط أبواق وصفير وتصفيق وتشجيع كل من شاهدها، وأوقفها رجال الشرطة كذلك، وقبل أن يتكلم أي واحد منهم قالت لهم: الآن ليس لديكم أية حجة، إنني أركب وأقود وسيلة مواصلات، ركبتها وقادتها قبلي الصحابيات الجليلات من عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

فبهت رجال الشرطة ولم يستطيعوا الرد، غير أنني لا أستبعد أنهم أوقفوا أو صادروا الحمار، لأنه حسب النظام ليس لديه «نمرة واستمارة».

[email protected]