في عتم الخوف

TT

ذات ليلة من ليالي الحرب العالمية الثانية، أطفأت فيرجينيا وولف، أشهر كاتبة بريطانية، أنوار منزلها مثل جميع جيرانها في الغارات الجوية، وجلست تكتب. أضاءت شمعة ضئيلة لا يمكن أن يراها الطيارون القاصفون، وأخذت تدون تأملاتها في الحرب، ما بين شبان ألمان في الأجواء وشبان بريطانيين على الأرض، يتبادلون شيئا واحدا: الموت.

تساءلت سيدة النص الإنجليزي: أين المرأة في كل هذا؟ هل كل ما هو مسموح لها أن تكون ممرضة في ساحات القتال أو ربة بيت تتأكد من إطفاء الأنوار تماما؟ كان ذلك، ربما، عام 1942. هذا العام بدا أنه ليس من الممكن تشكيل حكومة جديدة في بريطانيا من دون نساء. لقد ختمت مارغريت ثاتشر، ابنة بقال فنشلي، العصر الذي كانت تشكو منه فيرجينيا وولف. أو العصر الذي اضطرت فيه أن تحمل اسم رجل يدعى جورج إليوت من أجل أن يسمح لها بالكتابة والنشر.

تغيرت معالم وملامح السياسة في أوروبا على نحو لا يمكن لفيرجينيا وولف تصديقه: وزارة الداخلية في فرنسا بيد امرأة كانت من قبل وزيرة للدفاع. وفي باريس أيضا كان فرنسوا ميتران قبل سنوات قد سحب من خزانته سيدة تدعى إديث كريسون وجعلها أول رئيسة وزراء في فرنسا. ومنذ تلك الخطوة كرت النساء على رئاسة الحكومات في القارة: البرتغال، أيسلندا، يوغوسلافيا، هولندا، ليتوانيا وبولندا، إضافة إلى رئاسة الدولة في أيرلندا.

أما في «العالم الجديد» فقد أصبحت سياسة الدولة الكبرى في يد امرأة، كادت تصل بدورها إلى الرئاسة نفسها، لولا أن الناخب الأميركي فضل، ما بين امرأة بيضاء ورجل أفريقي الأب، أن يقترع للرجل الأفريقي.

ربما لم تكن فيرجينيا وولف تريد حقا وصول امرأة إلى أي مكان. ربما كل ما كانت تريد هو أن تنتهي تلك الحرب التي تغرقها في الظلام وعتم الخوف كل مساء. ما الذي يحمل رجال هتلر من ألمانيا إلى بريطانيا لكي يقصفوا وجوها لم يروها وأمهات لا يعرفونهن وأطفالا على موعد غدا مع دروس التاريخ والجغرافيا؟ ما الذي يعلمنا التاريخ؟ شيئا واحدا حتى الآن. أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يكف عن الاحتلال والقتل وسرقة الآخرين، وعلى الاعتداء على أراضيهم وهتك أعراضهم ودوس كراماتهم والتمثيل بجثثهم ونفوسهم.