الحوار وحوار الفضائيات!

TT

على هامش منتدى دبي للإعلام، عقدت ندوة عن البرامج الحوارية الفضائية العربية الشهيرة. شارك في الندوة تركي الدخيل صاحب برنامج «إضاءات» على «العربية»، وعمرو أديب مقدم برنامج «القاهرة اليوم»، ومرسيل غانم مقدم برنامج «كلام الناس». كما شارك الشاب الكويتي والزميل بـ«الشرق الأوسط» محمد النغيمش الذي قدم زاوية مختلفة للحوار عبر عرض لكتابه «لا تقاطعني».

وقد غاب عن الندوة المحاور فيصل القاسم صاحب برنامج «الاتجاه المعاكس» لسبب غير معروف، لعله خوفه من الجمهور، حسب رأي عريف الندوة الأكاديمي الإماراتي المعروف الدكتور عبد الخالق عبد الله.

أظهرت الندوة لي أن هناك مفهومين مختلفين تماما عن بعضهما البعض: الحوار القيمي، والحوار الفضائي. الحوار كقيمة مسألة مختلفة عن الحوار عبر البرامج الفضائية. فالحوار القيمي هو مساواة الحوار في عالم اليوم بالقيم الإنسانية، كالصدق والحب والخير والعطاء والكرم والتضحية والسلام وغيرها. وهو فضيلة تدرّس للأطفال منذ نعومة أظفارهم في الدول المتقدمة. طبعا، لا تزال مناهجنا التعليمية تقوم على قمع الطفل باسم احترام الكبير، وإسكاته بحجة أن «السكوت من ذهب».

الحوار القيمي يتطلب وجود طرفين متكافئين يتبادلان وجهات نظر مختلفة، ولا يفترض أحدهما أنه على حق بينما الآخر على باطل. أي أنه حوار بين ندين، والاتجاه في هذا الحوار طريق باتجاهين. مثل هذا الحوار قد ينتهي كما بدأ: أي باستمرار اختلاف الطرفين مع احترام كل منهما للآخر، أو باقتناع طرف بوجهة النظر الأخرى.

أما حوار الفضائيات، الذي سميته الحوار الفضائي، فهو ما يمارسه المحاورون في برامجهم عبر الفضائيات. وهذا النوع من البرامج مخالف تماما لمفهوم الحوار كقيمة، فالمحاور - أي مقدم البرنامج - في كرسي من يسائل ويستجوب وليس من يحاور، والحوار هنا من طرف واحد، وغالبا ما يرفض مقدمو البرنامج الإجابة عن أي سؤال يوجهه لهم ضيفهم، وحجتهم دوما أنهم هم وحدهم الذين يحق لهم توجيه الأسئلة، وعلى الضيف الإجابة عنها.

الحوار القيمي يبحث عن المعلومة وتبادلها، والحوار الفضائي همه المشاهد والإثارة والسخونة في الحوار في اتجاه واحد فقط. الحوار القيمي يهدف لإقناع الطرف الآخر، أما الحوار الفضائي، فيهدف لحيرة الطرف الآخر. وهنا مربط الفرس لغويا!

فالحوار من المحاورة في حالة الحوار القيمي، وهو من حارَ - أو حديثا احتار - في حالة الحوار الفضائي. ينشد الفضائي أن يحير ضيفه، بينما يهدف القيمي إلى توعية وتثقيف وربما إقناع محاوره.

والمعنيان مشتقان من جذر واحد: حار. ومنها تحير أمره وصفتها «حيران» وجمعها حيارى. غنت أم كلثوم: «عيني على العاشقين، حيارى مظلومين» كما غنت «حيرت قلبي معاك، وأنا باداري وأخبي». ويقال حار الماء، أي لم يجد له مخرجا. وعلى هذا المعنى سميت الحيرة بالعراق، وسمي الحاير بجنوب الرياض حيث يحار السيل.

وحار الدم أي تجمع من ضربة أو رضة لكنها لم تحدث جرحا لخروج الدم. والحارة هي الزقاق المقفول الذي لا مخرج له. والمحارة هي حيوان رخوي مائي يعيش في صَدفة، واشتقت معناها من أنها حائرة لا تخرج من الصدفة أبدا.

ومحاورو الفضائيات يهدفون إلى أن «يحير الضيف إجابة»، أي لا يجدها، والضيف في البرامج الحوارية قد يلف ويدور من دون إجابة وينطبق عليه المثل العربي: «طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا»، أي أنه لم يقدم جوابا شافيا لسؤال محاوِرِه.

مفهومان مختلفان تماما لمعنى الحوار: مفهوم عصري حديث يعنى بالحوار كقيمة وفضيلة، ومفهوم إعلامي فضائي يهتم بجلب المشاهدين بتحيير الضيف وإحراجه أو حتى بخروجه «عن طوره».

الحوار شيء، والمقابلات الإعلامية شيء مختلف تماما!