قراءات في صورة

TT

نشرت الصحف البريطانية، وعلى رأسها صحيفة «الغارديان»، صورة كبيرة ملونة لحفل وداع غوردن براون، رئيس الحكومة البريطانية السابق، لمكتبه ووزرائه بعد استقالته من الحكومة وزعامة حزب العمال. عاينت الصورة فوجدت أن الرجل الوحيد الذي حمل وجهه ابتسامة عريضة كان المستر براون نفسه. يتوقع المشاهد أن يجده في أسوأ حال وأحزن مآل، وقد خسر الانتخابات والحكم والحزب وهذا المسكن المهيب، 10 داوننغ ستريت. لأول مرة وجدت معالم البهجة بادية عليه. ولم لا؟ لقد ألقى من على كتفيه أعباء كل هذه المسؤوليات. وقف يحتضن بكلتا يديه طفله الصغير فريزر (في الثالثة من عمره) وهو يصرخ بضحكة مدوية «أخيرا سيتفرغ بابا لي ويحملني على كتفيه وأضربه على رأسه». لا عجب أن يبتسم غوردن، ويعلمنا بابتسامته أن العائلة (الأولاد والزوجة) هي الملاذ الأخير والحقيقي للرجل.

وهو ما يفسر مشاهد البؤس البادي على وجه بيتر مندلسن، وزير الأعمال (البيزنس). فالسيد بيتر أعزب ومبتلى بالشذوذ المثلي. ليس له ملاذ يأوي إليه بعد فقدان منصبه، أو هكذا أتصور، ومن يدريني بهذه الأمور؟ بيد أن سائر الوزراء الآخرين يشاركونه في الصورة بملامح التعاسة والأسى وقد فقدوا مناصبهم المهمة. أستثني من ذلك إد ميليباند الذي وقف وراء غوردن براون يحدق في الآخرين ويخطط ويحلم بخلافة براون في المستقبل القريب، وقد رشح نفسه لزعامة الحزب، حيث بدا عليه شيء من ملامح القلق، فمنافسه على الرئاسة أخوه.

السيدة سارة براون، زوجة رئيس الحكومة السابق بدت في أسوأ نفسية وقرف «يا الله! سيعود زوجي ويقضي كل وقته في البيت وينغص علي حياتي. سيصعب علي أن أقنعه بالذهاب للحانة في رأس الشارع حتى أفرغ من مشاهدة مسلسل (كورونيشن ستريت). فقد أصبح رئيس وزراء سابقا لا يليق به ذلك».

كريستي مكلين، كاتبة خطب رئيس الحكومة، بدت على عكس الآخرين في منتهى البشر والسعادة. لقد نفضت عن كاهلها هذه المتاعب والمعاناة. لن يطلب منها بعد اليوم أن تكتب كل هذا الهذيان والنفاق والمغالطات والمتناقضات التي تفرض عليها كتابتها لتكسب لقمة عيشها ولقمة عيش رئيسها. إنها بدينة وسمينة على خلاف الأخريات. لم تترك لها كتابة الخطب أي وقت لتتحرك وتريض رجليها. ولكن أين كانت تكتب خطب الزعيم؟

بالطبع، هناك على الكومبيوتر الذي احتل الصدارة في هذه الصورة. عاينت وأطلت النظر فيه. أي أسرار قد أخفى هذا الجهاز تحت شاشته وبين أحشائه؟ كم سيدفع المحافظون، أو الأميركيون، أو اليابانيون، ثمنا لهذا الكومبيوتر الذي صنعوه وأضاعوه؟ كم سيدفع رجال الموساد ثمنا له؟ ولكن كلا. لن يدفع الموساد فلسا واحدا فيه. فكل ما فيه من معلومات معروف مسبقا لديهم. ومع ذلك، فقد أعطى المصور المكان المركزي في الصورة لجهاز الكومبيوتر.

وهذه هي زبدة عالمنا السياسي. الكومبيوتر يحرك الساسة ويصوغ السياسة. لا عجب أن ينظر إليه براون الابن الأكبر في شوق وحرص.