التزحلق إلى اللادينية عبر لافتة «الدولة المدنية»

TT

لا أدري من الذي ألقى في روع اللادينيين أن أرض مصر قد دانت لهم ولم يبق عليهم سوى التخلص من المتدينين بالإساءة إلى سمعتهم بسيل أكاذيبهم وتشويه منطلقاتهم وتحريف أفكارهم وممارساتهم وتحميلهم مسؤولية إخفاقات دولتهم المستترة تحت لافتة «المدنية»، التي عزلت الدين عن الحكم منذ استبد العسكري محمد علي بحكم مصر عام 1805، آملين، أمل إبليس في الجنة، الانتهاء منهم تماما والجلوس على تلّها.

اللادينيون، الذين أصبحوا يسيطرون على كثير من نوافذ الجعير الإعلامي في مصر بوساطة رؤوس أموالٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ولها أهواؤها وأهدافها ومخططاتها ومصالحها السرية والمعلنة، يعترفون بعظْمة لسانهم أن «الدين» هو الوسيلة لكسب قلوب أهل مصر واستقطاب مشاعرهم، وذلك حين يقررون أن المادة الثانية من الدستور، التي تنص على: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، تم تعديلها بوساطة الرئيس الراحل محمد أنور السادات لـ«دغدغة» مشاعر الناس واستمالتهم، على حد تعبير أستاذ قانون دستوري من المطالبين بإلغائها. فإذا كان هذا الزعم له وجه من الصحة، أفلا يعني أن تحكيم الشريعة الإسلامية، التي لا تطبق إلا على المسلمين، مطلب شعبي؟ فهلا طرحوا أنفسهم في استفتاء يستطلع رغبة الناس في «الدين» أو «اللادين» لنرى على أي سند «ديمقراطي» يستندون في مطلبهم المُلحّ لإلغاء المادة الثانية من الدستور؟ بسبب قولٍ منسوب إلى الدكتور محمد البرادعي يفيد بقبوله التعامل مع الإخوان المسلمين، بصفتهم قوة موجودة بالفعل على الساحة السياسية، هاج اللادينيون وماجوا وزعقت لاءات فلول الماركسيين بقايا شمسهم الغاربة، كأن البرادعي قد أصبح بالفعل رئيسا لجمهورية مصر وسيؤلف من الغد وزارة يرأسها المرشد العام للإخوان المسلمين!

هبطت علينا لافتة «الدولة المدنية» متخفية، كمثل الشر الذي نزل من حصان طروادة ليطعن الآمنين في غفلة منهم، وكان المنطقي أن ينخدع بها الناس، متصورين أنها «غير العسكرية» و«غير البوليسية»، فإذا بنا نباغت بكل أقوال التجاوز والتواقح على الدين والمتدينين، بل والتحريض الأمني عليهم في عبارات ترميهم بـ«ثقافة التخلف»، وقد أوصى صاحب المصطلح بعدم التهاون مع أتباعها، فهم وقود الإرهاب وليس بينهم متطرف ومعتدل، فكلهم جميعا، في ملته واعتقاده، يستحقون الاقتلاع بسيف حماية الديمقراطية والتنوير الملحق طبعا بقلمه البتار، ولم لا وهو مسؤول ثقافي متحكم وقادر ويطل من كل شرفات هذا العصر اللاديني المقيت، حتى طالت الألسنة المجرمة الفتح الإسلامي لمصر عام 20هـ وتجرأت، وهو نعمة الله علينا، بنعته: «قوة احتلال استيطاني مسلحة ومحاربة قادمة من الخارج». ومن ثم صرنا نحن، ما لم نتبرأ من الدين، «أحفاد الغزاة الآتين من الصحراء» إلى آخر تخليطات الأبخرة الكريهة الخارجة من أفواه تفننت في الكذب والبهتان وكل أشكال الأذى، وإذا بنا أمام مؤامرة تحاك لنا، تقهرنا لننزلق إلى «دولة لادينية»؛ تعدت أطماعها مقولة «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين» إلى لا دين على الإطلاق في أي منحى من مناحي الحياة، وعلى رأسها مناهج التربية والتعليم، على الرغم من ما جاء في الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الاجتماعية والخلقية، المادة 12: «يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها، والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، وعليه مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخُلقية والوطنية، والتراث التاريخي للشعب....».

لا بأس، لا بأس: « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ». صدق الله العظيم، يوسف - آية 21.