سبل محاربة السجن

TT

كان ألبرت سبير وزير التسلح عند هتلر وكبير المهندسين. وعندما كانت آخر جدران برلين تنهار فوق مخبأ «الفوهرر»، أو «القائد»، غامر بحياته لكي يذهب ويلقي التحية الأخيرة عليه. لكن البرودة التي استقبله بها هتلر دمرت أوصاله. وعندما اعتقله الحلفاء أقر أمام محكمة نورمبرغ بأنه كان المسؤول المباشر عن تسخير ملايين العمال من أسرى الحرب وعن ترحيل مئات الألوف من بيوتهم وديارهم.

وخلال عقدين قضاهما في السجن انصرف إلى أمرين: العناية بحديقة سجن سبانداو، وكأنها حديقة منزله، وإلى كتابة مذكرات فاقت عشرة آلاف صفحة. كتب سبير على كل ورقة توافرت لديه في السجن، من ورق السجائر إلى ورق الحمامات. وفي عام 1952 يكتب، بمرارة ووعي، عن تبعية الرجل الثاني في العمل السياسي، فيقول: «بصرف النظر عن المنحى الذي ستؤول إليه حياتي، فإن اسمي لن يذكر في أي مكان، إلا ويتذكر الناس اسم هتلر. لن يكون لي وجود مستقل ما حييت. إنني أرى نفسي رجلا في السبعين بعد حين، وسوف يتطلع إلي الناس، في أي مكان أذهب إليه، على أنني من رفاق هتلر. لا شيء آخر».

وما بين العمل في الحديقة التي «أصبحت معنى حياتي»، والكتابة والمشي، كان يصرف بقية الوقت في قراءة التاريخ والفلسفة والروايات والكتب التي تتحدث عن قضايا لعب دورا فيها. وعندما سمح له بالرسم بعد سنوات، أخذ يرسم الطرق والبيوت. وكان حراسه السوفيات يفيدون منها، بينما أهملها حراسه الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون.

كتب عن حراسه أن البريطانيين كانوا دقيقين والفرنسيين حيويين والأميركيين كانوا عفويين وقساة. أما الروس فكانوا محبين للآداب. ففيما كان الحراس الآخرون يقرأون الروايات البوليسية، كان الروس يدرسون الكيمياء والفيزياء ويقرأون تشارلز ديكنز وتولستوي. وكان حراسه يحملون إليه أخبار الحرب الباردة الدائرة خارج برلين أو بسببها. وعندما انتهت أزمة الصواريخ الكوبية كان الحارس الروسي هو الذي حمل إليه النبأ. لم تكن كل المذكرات مليئة بهذه اللطائف. هناك أيضا مشهد السجناء الذين ربطت أيديهم إلى ظهورهم وأمروا بالاستلقاء على الأرض في انتظار موعد الشنق. وهناك وزير خارجية هتلر السابق قسطنطين فون نورات الذي أعطي كرسيا مريحا يتذكره سبير من عام 1938 في مقر هتلر: «كان قماشه الدمشقي ممزقا والطلاء باهتا لكنني ما زلت أحب تصميمه واستدارة قاعدته».