مقبحو المدن

TT

كانت بيروت التي عرفناها مزيجا من المباني التركية والهندسة الإيطالية والطرق المرصوفة، مثل شوارع باريس القديمة. كان تاريخها مكتوبا على شرفاتها وبأزهار حدائقها. لكنها كانت مبنية لعدد قليل من الناس، بيوتهم تطل على البحر ومدارسهم مليئة بالحدائق وأحواض شرفاتهم مزروعة بالياسمين. لا تبقى مدينة حية كما هي. كان لا بد أن تظهر مبان جديدة إلى جانب المباني القديمة. وأن تزحف بيروت الفوضوية على بيروت الجميلة. وأن تقوم أحياء عشوائية إلى جانب الأحياء التقليدية. يحدث ذلك في كل المدن أو في معظمها. لكن كل المدن، أو معظمها، تخضع لقوانين وتنظيمات مدنية. لا يمكن إبقاء المدينة كما كانت في القرن التاسع عشر، لكن الجريمة هي خلع التاسع عشر عنها.

ما يحدث في بيروت اليوم هو تجريدها من معالمها التاريخية وطمسها بالناطحات دون الإبقاء على تلك الهندسيات التي تمنحها رونقها وجمالها وتبقي على طابعها المتعدد.

تبحث المدن الجديدة عن كومة حجارة قديمة لكي تحافظ عليها كشهادة على تاريخها، ونحن نحول التاريخ إلى كومة من الحجارة. الجشع ليس حكرا على اللبنانيين، لكنه يبدو أكثر وقاحة وأقل حياء في لبنان. من أجل أن تحافظ باريس على قديمها وتراثها أنشأت ضواحي جديدة خارج المدينة. لكن لبنان برمته أصبح امتدادا غير متقطع من الإسمنت لبيروت، شمالا وجنوبا. وأغلب المباني الجديدة عديمة الذوق كأنما الذي بناها حطاب لا مهندس. وقد خلت بيروت من الحدائق والأشجار والأكسجين، بينما تمتلئ مدينة صحراوية مثل أبوظبي بمليون شجرة وزهرة. كأنما هناك اعتداء جماعي على تراث الآباء وحقوق الأبناء.

عادة تتولى «اليونيسكو» المحافظة على نوع معين من الجماليات القديمة، عندما تتعرض هذه لهجمات الطمع والتخلف وغياب القانون الذي يحمي التراث الجميل. فقط أيام الانتداب الفرنسي، كان لدينا قانون يحمي عبق التاريخ، في مدينة كلما حفر فيها متر ظهر أثر روماني عظيم. لذلك، كفت الدولة عن الحفر من أجل أن يستطيع التجار بناء الناطحات، ومن أجل أن تغطى الأرض، شمالا وجنوبا، بصناديق الإسمنت. وبعضها رخيص وقبيح ولا علاقة له بتلك الجماليات القرميدية التي حملها معه الأمير فخر الدين المعني من منفاه في توسكانا في القرن الثامن عشر.