عصر جديد من المساءلة مع المحكمة الجنائية الدولية

TT

تجمع زعماء العالم في روما قبل 12 عاما لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة نادرا ما كان هناك إجراء مماثل داعم للسلام والعدل وحقوق الإنسان.

ويوم الاثنين ستتجمع الدول من جديد، في كمبالا (عاصمة أوغندا) من أجل مراجعة معاهدة روما لأول مرة بصورة رسمية. وتعد هذه فرصة لدراسة التقدم الذي حققناه وللتخطيط للمستقبل. وهذه أيضا فرصة للتأكيد على عزمنا عدم السماح للجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية بالإفلات من العقاب، إذ يعد ذلك الشيء الأمثل لمنعها من الوقوع مستقبلا.

وبحكم منصبي كأمين عام للأمم المتحدة، عرفت كيف يمكن أن تصبح المحكمة الجنائية الدولية عنصرا فعالا، وتعرفت على المدى الذي وصلنا إليه. وقبل عشرة أعوام، قليل من كان يصدق أن المحكمة ستعمل بكامل طاقاتها حاليا وتجري تحقيقات وتحاكم مرتكبي أعمال الإبادة العنصرية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية داخل عدد كبير من الدول.

ويعد ذلك تحولا جوهريا عن الحقبة الماضية، فقد ولت حقبة الإفلات من العقوبة، ونشهد ميلاد حقبة جديدة من المساءلة، وربما كان ذلك بطيئا ولكنه يتقدم باضطراد.

وقد بدأ ذلك بمحاكم خاصة في رواندا ويوغوسلافيا السابقة. وفي الوقت الحالي تمثل المحكمة الجنائية الدولية حجر الزاوية داخل نظام متطور لتحقيق العدالة عالميا يتضمن محاكم دولية ومحاكم وطنية دولية مختلطة وعمليات ادعاء محليا.

وحتى الآن، استهلت المحكمة الجنائية الدولية بخمسة تحقيقات: بدأ تحقيقان فعلا، ومن المقرر بدء الثالث في يوليو (تموز). ويوجد أربعة معتقلين حاليا. وتبين خطأ من ظن أن المحكمة ستكون مجرد نمر من ورق. وعلى العكس، تلقي المحكمة الجنائية الدولية بظلال كبيرة. وأصبح من يحتمل ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية يخشونها بصورة واضحة.

ومع ذلك، لا تزال المحكمة الجنائية الدولية تمثل محكمة الملاذ الأخير، حيث لا تتدخل إلا عندما لا تقوم المحاكم الوطنية بشيء أو تقف عاجزة عن التصرف. وفي مارس (آذار)، أصبحت بنغلاديش الطرف رقم 111 في لائحة روما، بينما وقع 37 آخرون عليها، ولكن لم يتم التصديق على ذلك. ولم تنضم بعض من أكبر الدول وأكثرها نفوذا.

وإذا أردنا أن تصل المحكمة الجنائية الدولية إلى المدى الذي يجب أن تصل إليه، وإذا كنا نريد لها أن تكون رادعا فعالا ووسيلة لتحقيق العدالة، فيجب أن نحيطها بدعم عالمي. وأنا بصفتي أمينا عاما للأمم المتحدة، أدعو جميع الدول للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويجب على من انضموا إليها التعاون بشكل كامل معها. ويتضمن ذلك دعم المحكمة علنا، مع التحلي بالدقة في تنفيذ أحكامها.

وليس لدى المحكمة الجنائية الدولية شرطة تابعة لها، ولا يمكنها إلقاء القبض على أحد. ولا يزال مشتبهون في ثلاثة تحقيقات من التحقيقات الخمسة أحرارا. ويؤثر هذا الاستخفاف والإهمال على عمل المحكمة الجنائية الدولية، وعلى منظومة العدالة الدولية كاملة، وتزداد جرأة من يحتمل قيامهم بجرائم ضد الإنسانية.

وسيتضمن النقاش داخل مؤتمر كمبالا وسائل لتعزيز عمل المحكمة، من بينها اقتراح لتوسيع ولاياتها لتتضمن «جرائم العدوان»، وإجراءات بهدف تشكيل رغبة لدى المحاكم الوطنية للتحقيق ومقاضاة الضالعين في جرائم الحرب، مع تمكينها من القيام بذلك.

وربما سيتركز النقاش الأكثر إثارة للجدل حول تحقيق التوازن بين السلام والعدالة. وفي الحقيقة لا أرى فارقا بينهما. وفي النزاعات الحالية، غالبا ما يكون المدنيون الضحايا الرئيسيين. ويعيش النساء والأطفال والكبار تحت رحمة الجيوش والمسلحين، يقومون بالاغتصاب وبتر الأعضاء والقتل وينهبون المدن والقرى والمحاصيل والماشية ومصادر المياه، وكلها استراتيجية حرب. وكلما كانت الجريمة صادمة، كانت فعاليتها أقوى.

ويتمنى الضحايا وقف أعمال الرعب، حتى في مقابل منح حصانة إلى من ظلموهم. ولكن تمثل هذه هدنة تحت تهديد السلاح وتفتقر إلى الكرامة والعدالة والأمل في مستقبل أفضل. لقد مضى الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن السلام في مقابل العدالة. ولا يمكن لأحدهما أن يوجد من دون الآخر.

والتحدي الماثل أمامنا هو أن نسعى من أجل الشيئين يدا في يد. وتمثل المحكمة الجنائية الدولية وسيلة مهمة لتحقيق ذلك. وفي كمبالا، سأبذل قصارى جهدي للمساعدة على إحراز تقدم في السعي لإنهاء عملية الإفلات من العقوبة، والدخول في عصر جديد من المساءلة. ويجب ألا ننسى أبدا أن الجرائم ضد الإنسانية جرائم ضدنا جميعا.

* الأمين العام للأمم المتحدة