التوأمة بين الرياض وبرلين

TT

للتو عادت من الرياض المستشارة الألمانية بعد أن قدمت شكرها للملك عبد الله بن عبد العزيز بعد نجاح الأمن السعودي في تحرير طفلتين ألمانيتين باليمن في عملية ناجحة، ومميزة. واليوم وصل الأمير سلمان بن عبد العزيز لبرلين بدعوة رسمية، حيث حظي باستقبال وحفاوة تجلت من خلال الشخصيات التي يلتقيها. كما كان لافتا تلك الحشود التي استقبلته امام بوابة الفندق بالتصفيق، في مشهد يعد الثاني بعدما رأيناه في مدينة أوسلو بالنرويج.

العنوان العريض للزيارة هو السياسة والاقتصاد. ومن خلال الحديث مع عدة شخصيات ألمانية، وسعودية، يتضح أن هاجس الطرفين هو تعزيز الفرص الاستثمارية، وتعميق العلاقة بين البلدين. والطريف أن كلا الطرفين، السعودي والألماني، يعزو انخفاض الفرص الاستثمارية، والتعاون بينهما، لضعفهما في التسويق لنفسيهما، هذا ما يقوله الألمان عن أنفسهم، وهذا ما يردده السعوديون عن أنفسهم أيضاً.

ففي لقاء الأمير سلمان مع بعض رؤساء الشركات، والعلماء، استمعنا لبعض مسؤولي الشركات الألمانية وهم يقولون إنهم تواقون للاستثمار بالسعودية، والرياض تحديداً، بل وأشادوا بما وصلت إليه العاصمة السعودية تحت إشراف الأمير سلمان، كما سمعنا البعض الآخر من رؤساء الشركات وهم يقولون إن حجم الصادرات السعودية لألمانيا ليس بالشكل الكافي. وبالتالي فإن ألمانيا دولة مهمة اقتصادياً، وسياسياً، وعلمياً، ومجرد تعميق العلاقات معها، والعمل على خلق توأمة بين العاصمتين السعودية والألمانية يعد عملا مهما ومطلوبا، خصوصاً في ظل أوضاع اقتصادية، وسياسية، متقلبة.

فلا هاجس في أوروبا اليوم غير الاقتصاد، وكذلك الخوف من تداعيات العمل الإرهابي، وللسعودية ثقل اقتصادي، وقبله إسلامي؛ اقتصادياً فإن السعودية تعمل بجد على خطة تنمية مستدامة، في كل المجالات، وتحتاج إلى شركاء، علمياً واقتصادياً، من مستوى ألمانيا، كما أن للسعودية، وكما أسلفنا، دوراً إسلامياً مهماً من شأنه التقريب بين الديانات، وهناك حوار الأديان الذي قدمه الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبالتالي فتستطيع السعودية تعميق اللغة الوسطية، والعمل على إزالة هذا الخوف غير المبرر من خلال الحوار، وتعميق التفهم لطبيعة الإسلام الداعي للتسامح، وليس العنف والتطرف.

صراحة الأمير سلمان، ومواقفه الواضحة من جملة قضايا، والتي يلمسها المراقب، ستساعد في تعميق التعاون، خصوصاً أن لمدينة الرياض ثقلا سياسيا، واقتصاديا، لا يمكن إغفاله. ففي جل الحوارات كانت مواقف الأمير سلمان واضحة، سواء في حديثه عن أهمية التعليم، أو الاستثمار، أو الاهتمام بالمرأة، وهنا لا بد أن نروي قصة لافتة، فخلال زيارة النرويج سئل الأمير من قبل أحد المسؤولين: «سمو الأمير تحدثت مطولا عن وضع المرأة بالسعودية، والفرص التي تتاح لها اليوم، واسمح لي أن أسألك سؤالا محددا: هل ممكن أن نرى وزيرة سعودية»؟ حينها كان رد الأمير سريعاً، ومباشراً، وبلا تردد «وما الذي يمنع»! فقال له المسؤول النرويجي «حسناً.. دعنا نغير الموضوع»!

وعليه فإن مجرد التفكير في مشروع من نوعية التوأمة بين الرياض وبرلين يعد أمراً جيداً، ومرغوباً، وكل المطلوب مزيد من الزيارات بين البلدين، ومزيد من الانفتاح على بعضهما البعض، فنجاح العملية الأمنية السعودية التي أنقذت الطفلتين الألمانيتين، جعل الألمان وكأنهم للتو يكتشفون السعودية، بينما هناك الكثير مما يمكن أن يستفيد منه البلدان.

[email protected]