بين الهند والنرويج

TT

ماذا يجمع بين الهند والنرويج؟ زمن طويل من التعاطي السلمي في قضايا الشرق الأوسط: دولتان، سمراء وبيضاء، آسيوية وأوروبية، ترسلان نوعا واحدا من القوات العسكرية إلى المنطقة: قوات حفظ السلام ومراقبي تنفيذ المعاهدات والاتفاقات.

الوزن السياسي الهندي في آسيا والوزن السياسي النرويجي في أوروبا، سارا على خط واحد: الاعتدال والوسطية والسلام. وبقدر ما تشوشت الأدوار الغربية في الصراع العربي الإسرائيلي، كانت الدول الاسكندنافية واضحة في سياسات الوسيط النزيه. لذلك كان الكونت برنادوت أول ضحية للنزاع عندما اغتاله الإسرائيليون. وكان موقف داغ هامرشولد في عدوان السويس مناقضا لكل المواقف الغربية آنذاك. غير أن النرويج اختارت أن تتخطى جيرانها الاسكندنافيين في تعزيز العلاقة مع العالم العربي، ليس فقط من خلال المنظمات الإنسانية التي تديرها أو تدعمها، من فلسطين إلى الصومال، بل أيضا من خلال الانخراط السياسي ورفع مستوى التبادل الاقتصادي. تلك هي القضايا التي بدأ الأمير سلمان بن عبد العزيز بحثها في الهند وكانت موضوع محادثاته مع الفريق النرويجي.

طرح النرويجيون رؤيتهم للعلاقة العربية الحاضرة والمستقبلية. فهم دولة نفطية ثرية لا يبحثون عن مساعدات وإنما عن شراكة في عالم مضطرب ومهدد بالأزمات. وفي إمكانهم أن يضعوا في تصرف المملكة ودول مجلس التعاون، خبرتهم الطويلة وسمعتهم كدولة محافظة في حقول الاستثمار البعيد المدى. أما على الصعيد السياسي فمنذ أن وجهت النرويج رسالة رسمية إلى الحلف الأطلسي تبلغه فيها أنها لن تكون ضمن أي عملية عسكرية مقبلة، أصبح واضحا أنها تعلن نفسها دولة محايدة في مثل هذه الحالات.

رأى النرويجيون في ضيفهم محاورا يلتقون معه حول نهج متشابه إلى حد بعيد. فهو أيضا، بصفتيه الشخصية والرسمية، يرأس ويدير المؤسسات الخيرية منذ زمن طويل، خصوصا تلك التي تمد الحاجات الفلسطينية بالمساعدات. وبالصفتين أيضا طرح الأمير سلمان بن عبد العزيز أحوال المنطقة وتطورات الوضع في ضوء مبادرة الملك عبد الله. وتحدث بلغة واحدة في جولة الهند وفي جولة النرويج، كما سمع لغة متشابهة في بلدين يتبعان، إلى حد بعيد، سياسات متشابهة في قضايا العالم.

تعطي زيارتا أمير الرياض دفعا جديدا لأدوار الهند والنرويج في المنطقة. في الأولى تقدير لسياسة قديمة حيال القضايا العربية، وفي الثانية تقدير لاستمرارية منصفة ضمن أسرة الاعتدال العالمي. ولعل أهل الاعتدال قرروا أن يجمعوا الأمم حول هذه الرؤية، بدل أن يقبلوا التهجم عليها وكأنها تهمة لا حكمة.