إيران وروسيا: هذا فراق بيني وبينك

TT

يبدو أن العلاقة شديدة الخصوصية التي تربط بين إيران وروسيا تواجه بعض الصعوبات. يذكر أنه عندما التقى فلاديمير بوتين آية الله خامنئي في مكتب الأخير بمنزله للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حرص المرشد الأعلى على الخروج من المبنى لاستقبال القائد الأجنبي.

في ذلك الوقت، كان بوتين رئيسا لروسيا، ولا يزال حتى يومنا هذا صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بالشؤون الاستراتيجية للبلاد. الملاحظ أن زيارته تلك لإيران لم تستغرق سوى 10 ساعات، وشكل لقاءه بآية الله خامنئي المحور الأساسي لها.

من جانبه، كتب أندري كوليسنيكوف حول هذا اللقاء الخاص، قائلا: «لم يعلم آية الله أن بوتين كان يلتقي اليوم بالعدو الأول للشعب الإيراني، برئيس الدولة الذي تأمل القيادة الإيرانية في محوها من خريطة الوجود. لقد وصل إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى موسكو اليوم. ويبدو لي أن روسيا عمدت دوما إلى استغلال إيران كبطاقة رابحة في مناوراتها داخل المنطقة والعالم على امتداد العقدين الماضيين. على سبيل المثال، في إطار علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل، بل وحتى دول الشرق الأوسط، غالبا ما لعبت روسيا بالبطاقة الإيرانية. ومن الواضح أيضا أن روسيا ركزت اهتمامها على مصالحها».

أما اليوم، فبات الحديث بين الرئيسين، الإيراني والروسي، يجري عبر وسائل الإعلام، حاملا نبرة جديدة. والتساؤل المطروح الآن: هل يشكل هذا مجرد قمة جبل جليدي، أم أنه لا يعدو سوء تفاهم بسيطا بين الدولتين؟ في اعتقادي، هناك بعض النقاط المهمة التي يجب أن نوليها اهتماما:

أولا: مثلما قال وينستون تشرشل، فإن «أي دولة ليس لها أعداء دائمون أو أصدقاء دائمون، وإنما فقط مصالح دائمة».

خلال العقد الأول بعد انتصار الثورة الإسلامية، خلال الحرب الطويلة بين العراق وإيران، كان الاتحاد السوفياتي السابق الداعم الأساسي للعراق. ولن ينسى الإيرانيون صواريخ «سكود» وطائرات «ميغ» المصنعة في الاتحاد السوفياتي التي كانت تدك المدن الإيرانية، بما فيها طهران.

ثانيا: بعد الحرب، استغلت روسيا شعور الولايات المتحدة بالرهاب تجاه إيران وأعادت علاقاتها مع الأخيرة. وشكلت القضية النووية محور العلاقات بين البلدين. ويبدو الملف النووي الإيراني من وجهة النظر الروسية أشبه بكنز. ومؤخرا، شرعت روسيا في لعبة جديدة، أشركت بها البرازيل وتركيا فيما يتعلق بالقضية النووية.

في الفترة الأخيرة، جرى التوصل إلى اتفاق لتبادل الوقود النووي منخفض التخصيب بين إيران والبرازيل وتركيا يتوافق مع المعايير التي من شأنها تجنيب إيران التعرض لعقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حسبما أعلن قادة البرازيل وتركيا، الخميس. في أعقاب اجتماع عقد في العاصمة البرازيلية، أعلن الرئيس البرازيلي لويز إناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن أعضاء مجلس الأمن ينبغي أن ينهوا رفضهم للاتفاق سعيا إلى خدمة مصلحة التوصل لتسوية سلمية لصراع دبلوماسي قائم من أمد بعيد.

وقال سيلفا: «جميع الجداول الزمنية والمواعيد النهائية يجري الالتزام بها. لقد نفذنا كل ما طلبوه».

وفي وقت سابق من الشهر، عقدت البرازيل وتركيا اتفاقا يسمح لإيران بمقايضة اليورانيوم المخصب على نحو خفيف مقابل إمدادات من اليورانيوم شديد التخصيب. طبقا للاتفاق، توافق إيران على شحن 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب لتخزينه في تركيا، بحيث تتلقى في المقابل قضبان وقود من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.

وفي الوقت الذي يوفر الاتفاق وقودا منخفض التخصيب للمفاعل البحثي الطبي الإيراني، فإنه لا يحظر على طهران الإبقاء على برنامجها الوطني لتخصيب اليورانيوم.

في تلك الأثناء، قوبل الاتفاق بريبة من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى التي أصرت على إمكانية فرض عقوبات من قبل الأمم المتحدة ضد إيران. وتتضمن العقوبات المقترحة تجميد أصول إيرانية وفرض حظر على السفر وفرض عمليات تفتيش مفاجئة على الشحنات الدولية من وإلى إيران.

وفي حديث له حول هذا الأمر، يوم الخميس، قال أردوغان إن الدول الرافضة للاتفاق المبرم مع إيران حول الوقود النووي تتعمد إعاقة التوصل إلى تسوية. وشدد على أن «الاتفاق مع طهران يعد نصرا دبلوماسيا، وتلك الدول التي تنتقدنا لا تفعل ذلك سوى بدافع الغيرة».

جدير بالذكر أن تركيا والبرازيل تتقلدان مقعدين مؤقتين داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ثالثا: هناك سيناريو آخر يتضمن تعاون واشنطن وطهران لتقليص الدور الروسي داخل إيران والمنطقة، وأن واشنطن تقف خلف اتفاق طهران. وطبقا لهذا السيناريو، فإن واشنطن هي التي تولت تنظيم الاتفاق الأخير مع طهران، بمعنى أن الرئيس أوباما بعث خطابا إلى الرئيس البرازيلي يطلب منه فيه الاضطلاع بدور جديد في الأزمة النووية الإيرانية.

ويبدو أن خطاب أحمدي نجاد غير المتوقع ضد روسيا جاء في أعقاب لقائه بهوشانغ أميراهامدي الذي يزور إيران حاليا. ويقال إن هوشانغ أميراهامدي يعمل حاليا مع إسفنديار ماشائي، الذي يعد بمثابة الذراع اليمنى لأحمدي نجاد.

كان الرئيس أحمدي نجاد قد انتقد، الأربعاء، روسيا لدعمها الولايات المتحدة في الضغط من أجل استصدار مجموعة جديدة من العقوبات ضد طهران، حسبما أفادت قناة «برس تي في» المحلية.

وفي خطاب أمام حشد من الجماهير داخل مدينة كيرمان الإيرانية، شكا أحمدي نجاد من أن تفسير السلوك الروسي «يزداد صعوبة باستمرار، بالنسبة لنا».

ونسبت وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية التابعة للحرس الثوري، إليه قول: «لا يعلم شعبنا ما إذا كانوا (الروس) أصدقاءنا ويقفون إلى جوارنا أم يسعون وراء أمر آخر».

وأضاف: «لو كنت مكان الرئيس الروسي، لفكرت مليا في القضايا التي تمس الشعب الإيراني العظيم». واستطرد موضحا أن إيران تأمل في أن يصحح الروس مواقفهم نظرا لأن إعلان طهران يمثل الفرصة الوحيدة لتسوية القضية النووية الإيرانية. وقال إنه ينبغي على القادة الروس أن لا يدعوا الإيرانيين يظنون أنهم (الروس) يقفون إلى جانب الأعداء التاريخيين لإيران، في إشارة ضمنية إلى الغرب.

في المقابل، رد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بشن هجوم مضاد ضد أحمدي نجاد الذي وصف في يوم سابق الكرملين بأنه عدو محتمل يتعرض علانية لضغوط من المجتمع الدولي.

وأكد لافروف أمام المراسلين: «روسيا لم يتلاعب بها أي شخص قط، وجاءت تحركاتها دوما انطلاقا من مصالحها الوطنية».

وأضاف أن المحاولات الكثيرة التي بذلتها القيادات الروسية على مستويات متنوعة لإنهاء حالة التأزم المتعلقة بإيران أكثر من أن تحصى. وقال: «لقد عكفنا على هذا الأمر سنوات، لا شهورا. وجاء الرد الإيراني غير مرض، على أفضل تقدير».

عندما توجه أحمدي نجاد إلى لقاء الرئيس ميدفيديف، كان الرئيس الروسي يقف في منتصف بهو في الكرملين، وتحرك أحمدي نجاد باتجاهه ليصافحه، وعندما سأله ميدفيديف: «كيف حالك؟» أجاب أحمدي نجاد: «نعم»!

والتساؤل هنا، ألا يفهمان بعضهما البعض؟ يبدو لي أن هذه بداية حقبة جديدة في العلاقات الروسية – الإيرانية.