فكرة أوباما عن الإنفاق ليست سوى نوع من العبث!

TT

ركع باراك أوباما، جاثيا أمام مذبحة التقشف، يطلب من الكونغرس، كما يفعل الرؤساء، منحه حق النقض الانتقائي. ولا يشكل اقتراح الرئيس اليوم، في سياق أجندته الرامية إلى توسعة الحكومة، سوى وعد زائف بالرغبة الجادة في السيطرة على الإنفاق وعجز الميزانية، وإلهاء الأميركيين حتى يتمكن الديمقراطيون من تمرير خطة التحفيز الثالثة.

يؤكد قانون أوباما لخفض الإنفاق غير الضروري على أمور بديهية، وهي أن عناوين القوانين، أشبه بعناوين أفلام الإخوة ماركس - عائلة سينمائية كوميدية أميركية اشتهرت في الثلاثينات - («حساء البط» و«ريش الخيل») لا توحي بمضمونها على الإطلاق. سيعمل القانون الجديد على تفاقم تحريف الدستور الذي نما على مدار سبعة عقود، ليوسع من الصلاحيات الرئاسية عبر السماح للرئيس بالتعامل مع قوانين الإنفاق لتصير مثل المقاصف التي يمكنهم أخذ ما يشتهون منها وترك الباقي.

وبموجب اقتراح أوباما سيتمكن الرؤساء من وضع قائمة بجهات الإنفاق المتلبس بشأنها، ويكون على الكونغرس رفض أو قبول، بأغلبية بسيطة، قائمة الرئيس الكاملة، التي لا يمكن رفضها. وربما يكون ذلك، وربما لا يكون أيضا، مشكلة دستورية.

الأمر المؤكد أن ذلك لن يخفض العجز في الإنفاق، فبموجب مقترح الرئيس، إذا أجهض الكونغرس المشروعات المدرجة على قائمة الرئيس فإن مخصصات الميزانية لن يتم تخفيضها، لذا سيكون أمام المشرعين التفكير في نواح جديدة يمكن إنفاق المال فيها.

في عام 1996، عندما منح الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، الرئيس بيل كلينتون، بحسب نظام التشريع الأساسي، حق نقض جزئي، بدأ بات موينيهان كلمته في جلسة مجلس الشيوخ بالقول: «أنا على يقين تام من أن هذا الإجراء غير جائز دستوريا». وقد أثبتت المحكمة العليا أن موينيهان ذو بصيرة واضحة.

القصور الدستوري في هذا القانون هو أنه يمنح الرئيس سلطة إلغاء بنود من التشريع، وهو ما ينتهك الفصل بين السلطات عبر جعل الرئيس جزءا رئيسيا في صناعة القوانين بدلا من تنفيذها. وينص الدستور على أن «كل قانون» يمرره الكونغرس يجب أن يقدم للرئيس الذي يوقع عليه أو يعيده إلى الكونغرس مرة أخرى مبديا اعتراضه عليه. ولنلاحظ أن الدستور أتى على ذكر «القانون» لا «بعض منه».

وحتى إن أقر الكونغرس اقتراح أوباما، وحتى إن اجتاز القانون اختبارا دستوريا، فإن ذلك سيكون غير منطقي في السيطرة على الإنفاق. والواقع أنه قد يزيد الأمور سوءا.

اليوم يذهب 62% من الإنفاق الفيدرالي؛ يذهب 56% منه إلى مؤسسات و6% إلى خدمات الدين. وكلاهما يستهلك قسما كبيرا من الميزانيات وكلاهما مستعص على التصويت. وينال الدفاع والأمن الداخلي ما نسبته 21% وستكون محصنة كلية ضد التصويت، لذا فإن حق النقض الجزئي يستهدف السبع عشرة الباقية من الميزانية.

ولو أن كل القرارات الـ9499 التي اتخذت العام الماضي تم التصويت عليها لأدى ذلك إلى توفير 15.9 مليار دولار، أو 0.45% من الإنفاق.

علاوة على ذلك، فإن القانون الذي يقترحه أوباما سيشجع المشرعين على الشعور بالحرية في تخصيص الموارد دون وعي، لأن القانون يضع المسؤولية في يد الرئيس، ومن الممكن أن يلجأ الرئيس إلى حق النقض بشأن مشروعات إنفاق محددة في مقابل نيل دعم المشرعين في أمور أخرى. عندما منح الكونغرس كلينتون حق النقض الجزئي عام 1996، عام إصلاح الرفاهية، قال آل غور نائب الرئيس آنذاك إن كلينتون سيستخدم القانون في عدم نقض مشروعات معينة لزيادة الإنفاق على الرفاهية الاجتماعية.

يمتعض الرؤساء من القبول الكامل أو الرفض التام لقوانين الإنفاق الضخمة. ففي عام 1789 كان قانون المخصصات ينحصر في 149 كلمة فقط. وطالب رونالد ريغان بحق نقض جزئي عبر قانون يزن 43 رطلا ويقع في 3296 صفحة.

وعلى الرغم من اعتراف جورج واشنطن بأن عليه الموافقة على كل أجزاء القانون أو رفضه، فإنه اعتبر، هو وباقي الرؤساء الذين جاءوا من بعده، الاعتمادات المالية اختيارية وليست إلزامية. لكن بعد فضيحة «ووترغيت» سن القانون تشريعا ضد الممارسة الرئاسية في مصادرة الأموال الخاصة بالكونغرس.

ربما يأمل أوباما أن يصرف مقترحه الأنظار عن مصادر إنفاق ضخمة، التي عندما تجمع معا، تشكل شيئا لا يجرؤ على البوح باسمه، هي خطة التحفيز الثالثة، لأن غالبية سابقيه كانوا يعمدون فقط إلى إرضاء الطبقة السياسية وموظفيها. بعد خطة التحفيز الأولى التي أقرها جورج بوش بقيمة 168 مليار دولار في 2008 توقعت إدارة أوباما أن تحول خطة التحفيز الثانية التي أقرتها بقيمة 787 مليار دولار دون تجاوز البطالة نسبة 8%، لكن البطالة وصلت الآن إلى 9.9%. ومن ثم فإن خطة التحفيز الثالثة ستكون كنظيرتها الثانية، حيث سيعمل إنفاق مئات المليارات من الدولارات على توسع حجم التضخم كي تستفيد منها الولايات المسرفة والحكومة المحلية والنقابات العمالية بصورة متفاوتة.

وكان أوباما قد أمر العام الماضي 15 وزارة بالبحث عن اقتصادات بقيمة 100 مليار دولار، التي كانت تشكل في ذلك الحين 13 دقيقة من الإنفاق الفيدرالي (0.0029%). إن اقتراح أوباما الجديد بقدر ما يحمل الرغبة في الاقتصاد في الإنفاق يحمل العبث أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست»