هل هي مصادفة؟

TT

هل مجرد مصادفة أنه كلما تكثفت الجهود من أجل تحريك عملية السلام تخرج إسرائيل بعملية مدوية تثير الرأي العام وتحرك الأطراف التي تعمل على هذه الجهود، أم أنها مسألة مقصودة تعكس عدم رغبة في الوصول إلى اتفاق سلام بما سيتضمنه من متطلبات من أصله؟

حدث هذا في عملية غزو غزة قبل سنوات، والتي كانت نتيجتها مأساوية سياسيا وإنسانيا، وتكرر هذا بشكل أكبر أو أصغر في عدة أحداث، منها الإعلان عن توسيع الاستيطان في القدس الشرقية خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مما أدى إلى إحراجه ومعركة دبلوماسية مع واشنطن. والآن جاء الهجوم على قافلة السفن الدولية التي كانت تحمل مساعدات إلى غزة بهذا الشكل الدموي، وما أسفرت عنه من قتلى وجرحى لتثير الاستغراب حول استخدام القوة المفرطة بهذا الشكل دون أي تقدير للعواقب.

ومن متابعة ردود الفعل الأولى يتضح مدى الخسارة الدبلوماسية التي لحقت بإسرائيل من جراء هذا الهجوم. فالإدانات تلاحقت من جميع أنحاء العالم، وردود الفعل المستنكرة والمستغربة لهذا التصرف شملت حتى حلفاء إسرائيل وأصدقاءها، وبما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ساسة إسرائيل وأصحاب القرار فيها، الذين اتخذوا قرارا مثل هذا، لديهم أي إدراك بحقائق العالم الذي نعيش فيه اليوم، وقيود وحدود استخدام القوة المسموح بها للدول. كما يطرح تساؤلات حول إمكانية التقدم في عملية السلام مع وجود طريقة تفكير مثل هذه.

مثل هذه الطريقة في التفكير تدل على أن هناك غرور قوة في إسرائيل وعدم إدراك أو محاولة لاستيعاب الدروس التاريخية، وبعضها قريب جدا مثل لبنان وغزة، والتي تدل على أن القوة يمكن أن تحقق نصرا عسكريا أو تحدث دمارا ماديا وعسكريا للخصم، لكنها قد لا تؤدي بالضرورة إلى مكاسب سياسية، بل على العكس فإن نتائجها على المدى الطويل عكسية.. وتؤدي إلى تأجيج مناخ توتر وعداء يجعل عملية السلام صعبة أو شبه مستحيلة.

وفي الهجوم الدموي الإسرائيلي على قافلة المساعدات البحرية يبدو أن المنطق أو التفكير الرشيد غاب تماما، فلا شيء يبرر عملية كوماندوز بالرصاص الحي ضد عشرات من الناشطين بهذا الشكل، وكأنها عملية حربية ضد سفن مدججة بالسلاح، إلا إذا كانت المسألة استهانة شديدة بالأعراف والمجتمع الدولي، أو غرق شديد في وهم القوة والشعور بأنه لا توجد محاسبة.

وبينما قد يكون ما حدث يمثل نكسة جديدة لجهود إدارة أوباما في إعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، فإنه يجب أن لا يوقف انخراط واشنطن في هذه الجهود، بل على العكس يزيدها، بما في ذلك ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية وتحمليها مسؤولياتها للخروج من دائرة العنف التي لا تنتهي، وصولا إلى دولة فلسطينية. فهناك استحقاقات يجب أن تؤدى وطال زمانها. أما على الصعيد الفلسطيني فإن ما حدث يؤكد ضرورة وقف الانقسام بين غزة ورام والله من أجل فك الحصار.