يا رب اغفر لي إن كنت قد أخطأت

TT

يتداولون ويتناقشون ويتناطحون في هذه الأيام بفتوى (رضاعة المرأة للرجل الأجنبي)، وأول من نكش وطرح ودعا لهذه الفتوى الغريبة هو شيخ أزهري مصري قبل سنوات، حجته في ذلك هي: لكي لا يكون هناك حرج على النساء العاملات في وسط مختلط مع الرجال، ووجد أنه لا بأس من أن ترضع المرأة رجلا كبيرا ناضجا ليصبح بعد ذلك أخا لها من الرضاع.

وأكد على هذه الفتوى في هذه الأيام أحد المشايخ من السعودية، وهو، على حد قوله في هذه الفتوى، يريد أن ييسر على المرأة إذا كان لا بد لها من رجل يخدمها ويساعدها، خصوصا إذا كان لا مفر من دخوله وخروجه في المسكن بين ظهرانيها لكي يؤدي مهمته.

فإنها في هذه الحالة يجوز لها أن ترضعه على شرط ألا يكون ذلك من ثديها مباشرة، ولكن بطريقة غير مباشرة - أي أن تحلب له خمس مرات من لبنها في وعاء بمقدار ما يشبع الطفل الرضيع عندما يمصه من الثدي -، ومن الممكن إذا أراد ذلك الرجل أن يطبخ اللبن أو يسكبه على الأكل ثم يأكله فلا بأس في هذا لأنه يحق له ذلك وحكمه حكم الرضاعة الطبيعية.

واستشهد بأن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر بنات إخوتها، وبنات أخواتها أن يرضعن خمس رضعات من أحبت أن يراها ويدخل عليها حتى وإن كان كبيرا من الرجال.

وأكد أن شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والإمام الشوكاني قد أجازوا ذلك، ولم ينكر هذا إلا في العصر الحاضر حينما كبر الجهل بين الناس في أحكام الشريعة.

والواقع أنني لا أريد أن أكون جاهلا بأحكام الشريعة، غير أنني في الوقت نفسه لا أريد ولا أقبل أية امرأة في العالم أن تطبق هذه الفتوى الحلال على شخصي الضعيف عمليا، وأرفض أن أكون أخا لها بالرضاعة بعد هذه السن التي بلغتها، ولو أنها حاولت أن تغصبني على شرب لبنها فليس مستبعدا أبدا أن أتضارب معها، خصوصا أنني لست من عشاق شرب اللبن الكامل الدسم.

ولكي لا نخرج عن الموضوع، دعونا نعود إليه ونسأل حضرات المشايخ الأجلاء الذين يفتون بذلك، وقبل أن نسأل نفترض أن هناك عدة نساء متباينات، وكل واحدة منهن في حاجة قصوى لرجل يسيّر أمورها، وهذا الرجل دائم التردد على المنزل بحكم الظروف، وهي تريد أن تزيل الحرج وتنكشف عليه وتأخذ راحتها على أساس أنه سوف يصبح أخا لها.

ولكن ماذا تفعل امرأة وكيف تتصرف، إذا كانت غير متزوجة ولم يسبق لها الزواج قبل ذلك، فمن أين تأتي المسكينة بالحليب.

أو امرأة أصبحت عجوزا وجف حليبها من عهد عاد، فماذا تصنع وليس لديها غير حليب (نيدو)؟!

أليس في ذلك غبن لهؤلاء النسوة من أن يحظين بإخوة لهن من الرضاع أسوة بالنساء المحظوظات اللواتي حباهن الله سبحانه وتعالى بكميات وافرة من الحليب ومشتقاته؟!

ثم كيف نضمن أن تأتي امرأة لعوب وتدعي أنها وحيدة وغلبانة وعاجزة ثم تحلب لسائقها بكل بساطة في كوب خمس رضعات مشبعات، وبعد أن يرتشف آخر نقطة في الكوب، تقول له: بالهنا والشفا، تعال جنبي يا خويا؟!

إنني لا أناقش هذه الفتوى من الوجهة الشرعية، لأنني أبعد ما أكون عن ذلك، فلست مؤهلا في هذا المضمار لا ثقافيا ولا عقليا ولا نفسيا.

غير أنه يحق لي أن أتعجب من أن تطرح، ناهيك عن أن تناقش، مثل هذه القضية (المتهافتة) في مثل هذا الزمن الذي أصبح فيه عدد الأبقار في الأرجنتين أكثر من عدد السكان.

يا رب اغفر لي إن كنت قد أخطأت.

[email protected]