جنازة العلاقة الخاصة

TT

حتى المجازر الإرهابية الكبرى، لها وجهها الإيجابي. أولا، الرحمة على شهداء السفينة «مرمرة». لكن اغتيالهم سجل أهم حدث عربي - تركي منذ أن هزم الجنرال اللنبي العثمانيين في القدس معلنا «لقد عدنا». منذ هزيمة الإمبراطورية العثمانية وخروجها من العالم العربي، أدارت أنقرة ظهرها لنا ولقضايانا. نقلها أتاتورك تماما إلى الغرب، ونقل العاصمة من إسطنبول، مجد الإمبراطورية، إلى مدينة صغيرة في بلاد الأناضول. وقطع أتاتورك العلاقة مع الإسلام والعالم الإسلامي. وجاء خلفاؤه فدخلوا الحلف الأطلسي وحولوا تركيا إلى قاعدة غربية مدججة بالصواريخ الموجهة إلى الاتحاد السوفياتي. ونسيت تركيا ونسي العرب كل علاقة ماضية. بل صارت هناك علاقة متوترة وغالبا عدائية. وبالمقابل دخلت أنقرة في تحالف سياسي وعسكري معلن مع إسرائيل، متجاهلة ما تعنيه القضية الفلسطينية لمسلمي العالم.

كان لا بد، كالعادة، من الاتكال على إسرائيل كي تخسر أصدقاءها، كما كان يقول كمال ناصر. لقد أصابت المجزرة الإسرائيلية في المياه الدولية بحر «مرمرة» إصابة مباشرة. وأصابت معه عنق العلاقة التركية الإسرائيلية. والخطاب الذي ألقاه رجب طيب أردوغان أمام البرلمان أمس ليس ذروة المضاعفات بل هو بدايتها. فسوف يخضع الحزب الحاكم، ويخضع الجيش من خلفه، إلى ضغوط شعبية كبرى. وسوف تتحول جنازات الشهداء الأتراك إلى جنازة كبرى للعلاقة الخاصة التي كانت قائمة حتى اليوم بين أنقرة وتل أبيب.

ليس من اللائق النبش عن الإيجابيات بين دماء الشهداء. لكن بعيدا عن تركيا بدت كل علاقة بإسرائيل خجولة بنفسها، وكان لافتا أن الدنمارك هي أول دولة تحركت للاستنكار قبل ورود الكثير من التفاصيل عن فرقة مسلحة تقتحم سفينة مدنيين وتنهال عليهم بالرصاص. ويكفي دفاع نتنياهو عن الجيش الإسرائيلي (جيش الدفاع) للتأكيد على أن المجزرة كانت مبيتة ومدبرة. وأعتذر عن التذكير بيوم كتبت في هذه الزاوية أن إعطاء إسرائيل فرصة أربعة أشهر للتفاوض هو مجرد تجربة أخرى في امتحان الحمل للذئب. وها هو ينقض في عرض البحر راميا بالمبادرة العربية الشاملة عرض الحائط. حائط ميتشل كالعادة بالدماء والملح. لأن إسرائيل لا تريد للجراح أن تندمل بل تريد لها أن تتوسع وتمتد وتتعمق في ضمائر العالم.