السفينة فرصة للمعتدلين أيضا!

TT

سواء كان الهدف من القافلة الاحتجاجية إغراق المفاوضات وإلحاق الحرج بالمعسكر العربي المعتدل، أو مساندة الغزاويين بالخبز والإسمنت، فإن القافلة من حيث لا تدري فتحت فرصة ثمينة. لم يتخيل حتى المنظمون لقافلة الحرية أن إسرائيل ستمنحهم هذا الكم الهائل من الاهتمام والدعاية بهجومها غير المبرر، وغير القانوني، في المياه الدولية، وتعمدها ارتكاب جرائم القتل على سفينة مسالمة أمام العالم.

بسبب ذلك، المناخ الآن مواتٍ لعمل سياسي في الاتجاه الآخر. ربما لا تكسر القافلة الحصار، بل الجمود السياسي في المنطقة ككل حول الموضوع الفلسطيني العربي الإسرائيلي. أمر لم يخطر ببال المنظمين للقافلة، ولا يعني كثيرا حكومة نتنياهو التي تريد التصعيد لا التصليح.

هذه أزمة صيف آخر، وككل الأزمات الكبيرة فإنها قد تنجب عملا ما أضخم، سلبا أو إيجابا، وفق نظرية هنري كيسنجر الذي يرى أن الأزمات تولد الفرص، وأنه في اليوم الذي خسرت فيه أميركا فيتنام كسبت الصين. وفي منطقتنا أزمات كثيرة، إلا أن الفرص نادرة. ورغم التأوهات القديمة فإن حرب الصيف في جنوب لبنان عام 2006 أنجبت اتفاقا منح السلام لهذا البلد الذي كان يعاني من اشتباكات لا تنتهي مع إسرائيل أو بسببها، وصار أكثر هدوءا منذ ذلك اليوم. طبعا قد تثور الحرب من جديد، لكن حزب الله ليس «القاعدة»، بل هو ملاكم من الوزن الثقيل، عملياته العسكرية تتم مرة كل خمس سنوات تقريبا.

ما الذي يمكن أن تفيدنا به أزمة القافلة البحرية، عدا النحيب؟

إذا كانت تركيا وسورية تريدان فتح الباب لتوسيع دائرة السلام فإن الفرصة مواتية. واشنطن التي تسير متلكئة ولا تريد إشراك سورية، قد تجد نفسها مضطرة إلى أن تجرب إدخال دمشق هذه المرة ضمن إطار أوسع لسلام عربي إسرائيلي تحت مسمى حل مشكلة القافلة البحرية. وفي هذا الإطار قد يكون غريبا جدا أن نرى البرلمان الكويتي يوصي بالانسحاب من المبادرة العربية، مبادرة الملك عبد الله للسلام، التي لم تكن مطلبا ولا قضية ولا علاقة لها أصلا بموضوع القافلة بل العكس تماما، فإسرائيل نفسها لم تقبلها، وأميركا لم تعترف بها، وهي الوحيدة التي تسبب حرجا لإسرائيل، وقد وضعت سقفا لأي اتفاق سلام لا يمكن لأي قائد فلسطيني أن ينزل عنه، إن كان العرب جادين وراغبين في السلام. طبعا فهذا الصيف فرصتهم، ومن لا يريد المفاوضات من حقه أن يذهب ويقاتل، لكن عليه ألا يطالب المجتمع الدولي غدا بالتدخل لتأديب إسرائيل إذا كسرت أضلاعه. لا يمكن أن نقول: لا للمبادرات، ولا للمفاوضات، وفي الوقت نفسه لا نريد أن نقاتل، بل نطلب من المحاصرين الفلسطينيين أو اللبنانيين أن يقاتلوا باسمنا. دعوات الحرب هذه تسمى تهريجا، تزيد العرب ضعفا لا قوة، وتجعلهم محل سخرية العالم.

وحتى لا تشغلنا حفلة الصراخ الصيفية التي نسمعها اليوم عن الفرصة الجديدة فإن أمام القوى العربية ذات القيمة السياسية المتصلة مباشرة بالنزاع العربي الإسرائيلي مناسبة تستحق أن تستغل لدفع المفاوضات في ظل ضعف بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتزايد القناعة الدولية بالحاجة إلى حل سلمي شامل وواسع. النافذة مفتوحة لبضعة أسابيع، وبعدها ستنتهي اللجنة والتحقيق والشجب كما انتهى مسلسل تحقيق غولدستون وبقيت غزة محاصرة، وتركت سورية خارج طائرات الحركة الدبلوماسية.

[email protected]