خسرنا معركة السلاح.. فهل نربح معركة الصورة؟

TT

«في حرب الصور، في حرب الدعاية يبدو لي أن الحكومة الإسرائيلية تخسر..»..

ردد الإعلام الإسرائيلي بكثرة هذا الموقف للمؤيد القوي لإسرائيل الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنار هنري ليفي. وهذا الرأي ليس هو الأقسى بشأن الحماقة والاعتداء الدموي الإسرائيلي على ناشطي ومدنيي سفينة «مرمرة» التركية، لكنه يأتي من شخصية لها تأثيرها في الرأي العام المؤيد لإسرائيل. إنها ليست المرة الأولى التي تبدو فيها إسرائيل لا مبالية إزاء صورتها كدولة عسكرية عنيفة ودموية. لكنها من المرّات التي يتجلى فيها الأثر البالغ للمقاومة اللاعنفية في قلب الصورة وشحذ الرأي العام ضد الممارسات الإسرائيلية. هذا هو تماما الفخ الذي وقعت فيه إسرائيل، الدولة التي دأبت على اعتماد مبدأ ممارسة القوة الساحقة مهما كان حجم المقاومة أمامها محدودا وضعيفا ومن دون اكتراث لحياة المدنيين ومعاناتهم.

تلك الحقيقة يعرفها العالم، لكن كان من السهل على إسرائيل ومؤيديها التحايل على عدوانيتها عبر إبراز عشوائية وغوغائية «مقاوميها» من أمثال حماس وحركات التطرف الإسلامي الأخرى.

في واقعة سفينة «مرمرة»، فإن المفارقة مختلفة تماما.

فرغم الحملة الإعلامية المنظمة لتبرير الهجوم على ناشطين مدنيين، فشلت كل الذرائع أمام صور ناشطين مدنيين ينقلون مساعدات إلى قطاع محاصر منذ ثلاث سنوات ويتعرضون للقتل في مياه دولية على مرأى من العالم..

لم تكن «فلوتيلا» قطاع غزة ولا جنوب لبنان. وإسرائيل التي باتت في مواجهة مع الرأي العام العالمي بأسره هي أكثر ارتباكا من مرحلة حرب لبنان 2006 وحتى أكثر ارتباكا من مرحلة حرب غزة 2008 وتقرير «غولدستون». فهناك سيل من الانتقادات الحادة التي برزت في داخل إسرائيل وفي ضمن الدوائر اليهودية المؤيدة لإسرائيل في العالم.

بسهولة، يمكن توقع الإدانات العربية والإسلامية، وهي سارعت إلى ذلك، وكذلك لم تكن ردود الفعل الغربية على تفاوت المواقع بضعيفة أو متساهلة رغم كل التردد في موقف مجلس الأمن والبيت الأبيض. لكن، يبقى أن النقاش الإسرائيلي الداخلي والنقاش ضمن المجتمعات اليهودية في أميركا وفي العالم قد تخطى حدود المألوف، وهو ما يمكن رصده بسهولة عبر الإعلام التقليدي والإلكتروني.

إنها صورة إسرائيل أمام نفسها وأمام مجتمعها قبل صورتها أمام الرأي العام الغربي الذي سبق أن خسرته في أكثر من محطة. والارتباك الإسرائيلي رغم كل محاولات احتوائه هو لحظة، على العرب التقاطها.

هناك الكثير ممن ابتسموا وارتاحوا في مواقعهم بعد الاعتداء الإسرائيلي. هؤلاء يرددون بقوة: أرأيتم؟ قلنا لكم. لا حلّ سوى المزيد من السلاح.. لكن في الحقيقة، يبدو أن ما حققته المقاومة المدنية عبر «فلوتيلا» ربما سيحقق مكاسب لم تتمكن عشرات الصواريخ من تحقيقها.

لتستقم المعركة مع إسرائيل يجب ألا تنجرّ إلى لعبة الدمّ.

كثيرة هي معارك الرأي العام التي خسرها العرب رغم صوابية قضاياهم. واليوم، لحظة صورة وإعلام بامتياز وهي معركة خسرتها إسرائيل، فهل سنحسن الإفادة من هذه الحقيقة؟؟

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام