وهذا هو العلاج الطبيعي!

TT

مستشفى خمس نجوم.. مستشفى سبع نجوم.. مستشفى ليس فيه نجوم: واحد.. سرير ملقى عليه مريض يتوجع ويقول آه بكل نبرة وصوت ولحن وطبقة وبدموع ومن غير دموع. ويغلقون عليه الباب وإلى الصباح.. وتجيء ممرضة زنجية تسأل عن حاله وتزغده: انهض.. حقنة.. ضغط.. حرارة.. وتقرأ في تقرير. ولا أعرف ماذا تقرأ.. وتسحب نفسها وما معها من أدوات وتقفل الباب وأعود جثة هامدة لا ينقصها إلا الدفن. أما التليفون فهو على حسابك.. وأما التلفزيون فهو على حسابك.. وكذلك غسيل الملابس. المستشفى معني بأمرك أنت وبس. في ليلة سوداء قلت للممرضة: عندك وقت؟

قالت: عندي.. قلت: أرغي معك؟ قالت: لا.. قلت: طيب عندك علشان إيه؟ قالت: أساعدك على النزول والعودة إلى السرير ودخول دورة المياه والحمام.. قلت: والأكل؟

- أنت لا تأكل ولا تريد ولا أعرف كيف أقنعك.

- أمال فين فلانة؟

- آه.. الممرضة الجميلة؟

- نعم.. العلاج الطبيعي.. إنها علاج طبيعي.. أعشاب وورود وعطر ومنظر ولون وأمل..

- ليس عندها وقت أيضا.. فهي تسمع مثل هذا الكلام طوال الليل.

- يعني إيه؟..

- يعني مفيش غيري أنا.. أقدر أبوسك هنا وهنا.. وبوسة عميقة إذا أردت. هل هذا يرضيك؟..

قلت: لا والله.. قالت: إذن ماذا؟ قلت: أخرج من هنا.. وأعود إلى الفندق.. قالت: هذا ليس شأني.. وإذا فعلت سوف أبلغ أمن المستشفى. قلت: وإذا أبلغت الأمن فهل يستطيع أحد أن يمنعني. أنا مريض وتعبت وزهقت وقرفت من الطعام والشراب والكلام وقلة الكلام.. والروائح القاتلة تهب من كل مكان..

قالت: هل لو جاءت الجميلة تعدل عن قرارك.. قلت: إنه سبب وجيه يستحق الاحترام. قالت: كم يوما.. قلت: أي يوم وكل يوم.. بل إنني سوف أطلب إلى الدكتور أن أكمل علاجي في الفندق.. فتجيء هي لتعطيني الحقن وتكشف وتبتسم وتقبل والسلام.. وقالت: هل لو جاءت تعطيك الحقن، فهل هذا هو الشفاء الذي جاء قبل موعده.. وهي سببه.. أم أنا السبب؟

إنها علاج من نوع آخر لم يصفه الأطباء ولا عندهم وقت ليفكروا.. ولو فكروا فليس عندهم ذوق. إنهم اعتادوا على الصرخات والدماء والآهات.. والذي هو أسلوبهم في الحياة!