حاسبوهم

TT

ليس هناك وصف للهجوم الإسرائيلي على بواخر الحرية التي جاءت من كل أنحاء العالم لتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة منذ سنين، سوى أنه بشاعة، وإجرام، وإصرار على قتل الأبرياء والعزل في عرض البحر. ما حدث لا يمكن للعالم أن يسكت عنه، كما أنه يجب على العرب ألا يسكتوا عنه. لا تكفي الإدانة والتصريحات، فما حدث ليس بشعا فقط وإنما مهين لنا جميعا. إنني أشعر بالإهانة: كإنسان أولا، ثم كمسلم وعربي ومصري.

وأبدأ حديثي إلى العرب الذين يشاركون الإسرائيليين في مشروعات في النفط والغاز، والملابس، إلى آخر هذه الشراكات، عليهم أن يوقفوا كل أنواع التعاون مع إسرائيل. أدعو الجيش التركي، الذي يشارك إسرائيل في ترتيبات عسكرية ومناورات، إلى أن يوقف ذلك. أدعو تجار اتفاقية «الكويز» في مصر إلى أن يتوقفوا عن البيع لإسرائيل. إذن، هو الامتحان، كما أنني أدعو رجال الصحافة والإعلام إلى أن يفضحوا كل عربي له تعاملات مع إسرائيل مهما صغرت، وأن يتابعوا من سيتوقف عن التعامل مع إسرائيل ومن سيكذب علينا ويعطينا شعارات. لا يكفي أن تقول لنا شعارات على الفضائيات والصحف وأنت تنام مع الإسرائيليين في البيزنس. حاسبوا هؤلاء.. حاسبوهم قبل أن تحاسبوا إسرائيل. ذلك لأنكم تملكون محاسبتهم. بنيامين نتنياهو وحكومته لا بد أن يعرفوا أن هناك ثمنا لهذا السلوك البشع، وأننا لا ننسى. هي ليست مجرد حادثة وتمر، وإنما هو قتل في عرض البحر لأناس لم يقترفوا شيئا سوى أن ضمائرهم الإنسانية ما زالت حية. أمام العرب اليوم، كصحافة وتلفزيونات ومجتمع مدني، أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة ونحاسب أصدقاء إسرائيل وشركاءهم في البيزنس.

منذ بداية ملامح الصيف ونحن نشهد مؤشرات إجرام إسرائيلية، ولا بد من كبح جماح هذا السلوك الإسرائيلي الذي يهدد الاستقرار الإقليمي من خلال قتل الأبرياء في عرض البحر، وكذلك التهديدات الإسرائيلية لكل من سورية ولبنان، وضرب للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال بالرصاص الحي، وبالطائرات والمدافع. بشاعة تلك التي نشهدها.. بشاعة مصحوبة بغرور القوة التي يجب أن نفكر في طرق مختلفة لوقفها.

نتنياهو لا يريد السلام، بدليل أنه يقتل الأبرياء في البحر في وقت تجري فيه المفاوضات غير المباشرة. نتنياهو وجماعته لو لم يجدوا سفن الحرية القادمة من تركيا كي يضربوها لاخترعوها، إنهم يريدون التنصل من أي استحقاق سلام ويبحثون عن مخرج. لذا، يبحث نتنياهو عن كل الذرائع التي تفك حكومته من أسر مفاوضات السلام. وليست تلك هي المرة الأخيرة التي سنرى فيها حكومة إسرائيل تقدم على مغامرات غير محسوبة، الهدف منها هو تهديد استقرار الإقليم برمته.

إن سلوك إسرائيل البشع تجاه سفن الحرية هو أمر خطير وخطير جدا يجب ألا يمر بسلام. إن لم تدفع إسرائيل الثمن على هذا، فليس أمامها سوى التمادي، ونحن لسنا في حاجة إلى بشاعة الموت حتى نتذكر أننا أمام عدو غشيم، وأمام حالة من حالات إرهاب الدولة بامتياز.

لا نستطيع أن نحاسب إسرائيل اليوم وفي الحال، ولكننا نستطيع محاسبة أهلنا الذين يتعاملون مع إسرائيل إن لم يوقفوا هذا التعامل فورا. فلا بد للدول والمجتمعات التي يعيشون فيها أن تحاسبهم بطريقتها. حاسبوهم لأنهم شركاء في الجريمة.