12 ساعة في ضيافة حزب الله

TT

«السياحة الجهادية» التي أطلقها حزب الله مؤخرا باستقباله طلابا وأساتذة جامعيين في ميدان المعارك، وشرحه لخططه العسكرية، وافتتاحه معلم «مليتا» السياحي، كمتحف يضع الزائر في أجواء المقاومة ويعرفه على تكتيكاتها، هي خطوة جديدة لا تزال في بداياتها، ولها دوافعها وأهدافها.

الحزب خسر كثيرا من شعبيته على المستويين اللبناني والعربي، في السنوات الماضية، بسبب الانقسام السياسي العنيف في الداخل، والحساسية الشديدة من حليفته إيران في الخارج. أما وأن شيئا من الهدوء قد استتب بين الموالاة والمعارضة، وتبدلت الموازين في ظل حكومة الوحدة الوطنية، فتحسين الصورة بات أمرا ضروريا بالنسبة للحزب، صاحب فكرة «الشعب المقاوم».

حزب الله له أذرع كثيرة وأخطبوطية، وإن كان البادي على السطح هما الذراعان العسكرية والسياسية، فهناك الذراع الإعلامية التي لا يستهان بها، كما تلك البحثية أو الإلكترونية، وحاليا ربما السياحية.

تنظيم الرحلات إلى مواقع قتالية يتم وفق خطط شديدة التنظيم والدقة، الشروحات التي تقدم للزائرين مدروسة ومحددة وسريعة، الأماكن التي تتم زيارتها هي تلك التي ترسخت أسماؤها في الذهن، بسبب أنباء المعارك عام 2006، أو قبل تحرير الجنوب عام 2000. الجولة تحاول أن تقدم للزائر ما يرضيه ويشعره بالاكتشاف والدهشة. جمال الجنوب وسحره، يساعدان حزب الله ويعملان لصالحه. قلة عدد السكان المتبقين في مناطقهم، بسبب التهجير المتواصل يترك انطباعا لدى الزائر، بأنه في أماكن شديدة الوداعة. رؤية فلسطين، بحيث تستطيع أن ترمي حجرك ليسقط في تلك الأرض المحتلة التي تسمع عنها من يوم مولدك، وها أنت تراها على مد النظر، بعد أن حرمت منها، يخلق نوعا من التأثر العميق تقرؤه في عيون الناس، وتسمعه في الآهات التي يطلقونها. كثير من اللبنانيين الذين لم يزوروا الجنوب من قبل، وكذلك العرب يحلمون برؤية شمال فلسطين من هنا. كلها عوامل تلعب لصالح تطوير ما بات يسمى «السياحة الجهادية». فكرة لعل الحزب لم يبتكرها بقدر ما اقتبسها من الإسرائيليين الذين يتتلمذ على مناهجهم بمهارة.

من الصعب أن تزور معلم «مليتا» السياحي الذي افتتح مؤخرا، دون أن تتذكر متحف «ياد فشيم» الإسرائيلي، الذي يخلد ذكرى ضحايا النازية، في إسرائيل، بالأرشفة والتوثيق والتذكير، وإثارة مشاعر التعاطف. في «مليتا» النازيون هم الإسرائيليون والضحايا هم مقاتلو حزب الله. القمة الجبلية البديعة والمشرفة التي أقيم عليها المتحف بطابعه الحديث، لا بد أن تشكل منطقة جذب في المستقبل، خاصة أن الخطة تقضي، بإقامة منشآت سياحية في محيطه لاستقبال الزائرين وإقامتهم ومبيتهم للفترة التي يتمنونها، وتوفير كامل المتع والتسالي، من ركوب الخيل إلى السباحة، وحتى قطع المسافة بين قمتي جبلين بواسطة «التلفريك».

يراهن الحزب - لا شك - على خفض منسوب الحساسيات المعادية له، وتوطيد العلاقات مع مختلف المناطق والفئات اللبنانية، وفتح المناطق الجنوبية أمامهم، التي طالما بقيت مفصولة عن الوطن، إما بسبب الاحتلال أو بسبب العداء لحزب الله. بعد المصالحات السياسية، ثمة سعي لمصالحة مع الناس. مسألة أكثر تعقيدا من أن تحل حول «طاولة حوار» أو «اتفاق دوحة»، وتحتاج إلى وقت. تكتشف وأنت تزور الجنوب في ضيافة حزب الله، أنه تنظيم له نفس طويل، ويخطط لسنوات مقبلة. فهنا نفق استغرق حفره ست سنوات، وهذا مقاتل يحدثك عن أحلام مستقبلية يراها وكأنها ماثلة أمام عينيه، مستدركا بأن الأمر لا يتحقق بالكلام، بل بالعمل الذي لا يتوقف للمقاتلين. لحزب الله مقاه، ومطاعم، ومنشآت من كل نوع، كلها يمكن أن تهدم بلمح بصر، بما في ذلك، «معلم مليتا» بما يحويه من غنائم إسرائيلية ثمينة بالنسبة للحزب، لكن البناء لا يتوقف حتى بمحاذاة الحدود وكأنما الحرب التي تهدد بها إسرائيل كل يوم، وتشغل القاصي والداني، وترعب اللبنانيين، لن تندلع على الإطلاق.

«السياحة الجهادية» خطة جديدة لحزب الله، لا تزال في طور التجريب. وباستثناء معلم «مليتا» الذي أريد له أن يكون بعيدا عن الشريط الحدودي، ومعدا لاستقبال آلاف الزائرين في اليوم الواحد، فإن الطابع السري للحزب سيحول، على الأرجح، دون المضي في الجولات الميدانية، وهي الأكثر إثارة، وكان لنا حظ المشاركة في إحداها طوال يوم كامل. فهذه الجولات المنظمة أحدثت قلقا في إسرائيل، ولربما بذلك حققت بعض أهداف الحزب في استعراض عضلاته على الحدود. لكن الاستمرار فيها، رغم كل الحيطة والحذر، الواضحين، يحتاج إلى جهود كبيرة، ويضطر القادة الميدانيون تحت ضربات الأسئلة الفضولية، للكلام أكثر مما هو مسموح، رغم الانضباط الشديد.

حزب الله في طور إعادة تنمية شعبيته الداخلية لتحقيق معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» في مواجهة إسرائيل. هدف لن يتحقق الشق الثاني منه بسهولة، وهو رهن بمتغيرات إقليمية، وبحماقات إسرائيلية. لكن الحزب يحضّر ويترقّب - كما يقول مقاتلوه - بانتظار الانقضاض على الفرص.