ولما بكت بكيت أنا أيضا!

TT

زمان كان الواحد يسأل صديقه: وانت عندك إيه؟ فيقول: عندي سيارة عدمانة كحيانة.. ولكن والدي وعدني أنه سيغيرها.

ولما تقدمنا في السن رحنا نتساءل: وانت عندك إيه؟ فيقول: ولد وبنت.. أو ولدان. وأنا أكتفي بهذا القدر وأحمد الله على ذلك. ولكن زوجتي تريد بنتا. وهذا عبء جديد.. ويا أخي شيء غريب. فالمرأة تتعذب في الحمل والولادة والرضاعة والتربية وتقسم على المصحف بأنها لن تعود إلى هذا العذاب. ثم تعود إليه عشرين مرة.

ولما كبرنا أكثر رحنا نتساءل: دلوقت إن شاء الله عندك إيه؟ ويقول: عندي الشريان التاجي.. والكبد والكلى والمرارة والمصران الغليظ والعمود الفقري.. والقلب زايد دقتين، كما يغني عبد الحليم حافظ.

ونقول أشياء أخرى نداري بها مرضنا. فكثير من الناس لا يحبون أن يفضحوا أنفسهم. مع أن المرض كالموت والفقر والندالة.. على رقاب العباد!

كنت أزور أحد أقاربي مريضا في مستشفى «مايو كلينك» الأميركي. وأوجعني ما رأيت وما سمعت.. ومنظر الزوجة والأولاد والكلاب تحت السرير وفوقه.

وقابلني صديق. وقال: لن أسألك. كان الله في عونك.. لقد رأيتك تدخل من هنا وتدخل هناك.. ثم تعاود الدخول في مكان ثالث: الله يكون في عونك.. وكيف تفلت من هذه المصائب؟!

فقلت.. ولم يعطني فرصة أن أشرح له: إنما كنت في زيارة بعض المرضى..

قال: مفهوم.. مفهوم..

ومن القاهرة نشرت الصحف تصريحا على لسان هذا الصديق بما معناه: البقية في حياتكم إن صديقنا هذا سوف يموت.. استعدوا - يقصدني أنا. وتضايقت.

وفي اليوم التالي جاءت الأخبار بأن هذا الصديق هو الذي توفي، فقد كان مصابا بكل الأمراض التي ظنها قد استقرت عندي.. وتضايقت مرة أخرى.. وكنت أسرع الناس إلى عزاء زوجته.. وقلت لها: البقية في حياتك.. إنه كان حريصا على أن يخفي أوجاعه.

وقالت الزوجة وكأنها عرفت منذ وقت طويل أنه سوف يموت: هكذا قال لنا الطبيب. وأعطانا فرصة لنستعد لتلقي هذه الكارثة التي لم تكن في حسبانه وكانت في حسابنا.

وبكت وبكيت!