دربكة!

TT

لم تنجب الملاعب الرياضية السعودية معلقا رياضيا خفيف الظل، عفوي الإلقاء، يضفي على المباريات الكثير من ظرفه ومرحه مثل المعلق الرياضي الشهير محمد عبد الرحمن رمضان، فله أسلوبه الذي لا ينازعه فيه معلق حتى اللحظة، إذ رغم مرور أعوام طويلة على اعتزاله، يظل هذا الرجل، الذي أمتعنا طويلا، وشكل الكثير من بهجة أيامنا، في ذاكرة الجميع علامة من علامات الكرة السعودية وتاريخها.

صباح الخميس الماضي جاءني صوته - على الهاتف - واهنا، وحزينا، وخاليا من «الدربكة» التي تعودناها منه أثناء التعليق، وكأن سماءه توشك أن ترتطم بأرضه، فهذا الرجل الثمانيني المقعد الذي غدا رهين بيته، لم يعد يقوى على مواجهة الحياة كما كان يفعل قبل سنوات، أشياء كثيرة تداهم سكون شيخوخته، وتحول ليله إلى وسادة قلق، ومنها: مرض عضال ينهش فقرات ظهره، وابنة أربعينية مريضة بجواره، وبيت سينتزع خلال شهور لصالح أحد المشاريع بمكة المكرمة، وراتب تقاعدي ينوء بحمل متطلبات المرض والشيخوخة وتقلبات الزمن.

لقد أغلق السماعة بعد محادثة قصيرة، وتركني رهين التفكير في أحوال الكرة وتقلباتها، فليس ثمة لعبة أو فن أو وظيفة تمنح صاحبها شحنات كبيرة من الضوء أكثر مما تفعله الكرة للاعبها، ومعلقها، وحكمها، ومدربها، وكل من يرتبط بها، فأهل الكرة يعيشون نجومية يغبطهم عليها الكثيرون، ويحظون باحتفاء لا يحظى بمثله العلماء، والأدباء، والسياسيون، لكن هذه الكرة المستديرة تشبه في سيكولوجيتها بعض سمات الغواني:

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله

فليس له في ودهن نصيب

وذلك ما فعلته الكرة مع الرمضان وغيره من نجوم الرياضة البارزين، فلقد أدارت لهم ظهرها، حينما اشتعلت رؤوسهم شيبا، وتركتهم لوحدتهم، ويممت وجهها صوب الأقدام الفتية الشابة، ومساقط الضوء، والشهرة، و«الدربكة»، وللرمضان وأمثاله الذين انتقلوا إلى دائرة الظل والعتمة رب رحيم.

ومع آبائنا كل الحق حينما كانوا ينصحوننا بالانصراف عن الكرة، ويقولون: «إنها مثل الدنيا، تقبل قليلا، وتدبر طويلا، فإياكم من هذه الساحرة المستديرة، التي تسرق شبابكم، ولا تحنو على شيخوختكم».

واليوم رمضان وأمثاله من نجومنا الكبار في حاجة إلى وقفة وفاء، لنؤكد أنهم لا يزالون في قلوبنا وعقولنا ووجداننا، فهل نفعل؟

[email protected]