القوة الإسرائيلية.. بلا هدف في البحر

TT

على مدار ألفي عام، عرف اليهود قوة القوة فقط في صورة ضربات السياط على أظهرنا. وعلى مدار العقود القليلة الماضية، كنا قادرين على استخدام القوة بأنفسنا، وهذه القوة، مرارا وتكرارا، أضرتنا.

وفي الفترة التي سبقت إقامة إسرائيل، اعتقد جزء كبير من السكان اليهود في فلسطين، خاصة أعضاء جماعة إرغون القومية المتطرفة، أنه من الممكن استخدام القوة العسكرية لتحقيق أي هدف، ولطرد البريطانيين خارج البلاد، ولصد العرب الذين عارضوا إقامة دولتنا.

ولحسن الحظ، أثناء السنوات الأولى بعد إقامة إسرائيل، عرف رؤساء الوزراء مثل ديفيد بن غوريون وليفي اشكول جيدا أن القوة لها حدود، وكانوا حذرين في استخدامها فقط كملاذ أخير. لكن منذ حرب الأيام الستة عام 1967، ركزت إسرائيل اهتمامها على القوة العسكرية. وكما يقول المثل إنه بالنسبة لرجل لديه مطرقة كبيرة، تبدو كل مشكلة وكأنها مسمار.

ويعد الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة والمقاطعة العنيفة يوم الاثنين للسفن المدنية التي تحمل المساعدات الإنسانية نتاج هذا الشعار الذي يقول إن ما لا يمكن فعله بالقوة يمكن فعله بقوة أكبر. وتنبع وجهة النظر تلك من الافتراض الخاطئ بأن سيطرة حماس على غزة يمكن إنهاؤها بقوة السلاح، أو بصفة عامة يمكن سحق المشكلة الفلسطينية بدلا من حلها.

بيد أن حماس ليست مجرد منظمة متطرفة، إنها فكرة، فكرة بائسة ومتعصبة نشأت من اليأس والإحباط الذي يعانيه الكثير من الفلسطينيين. ولم يتم من قبل هزيمة أي فكرة باستخدام القوة، ولا عن طريق الحصار أو القصف أو التدمير بجنازير الدبابات أو قوات الكوماندوز البحرية. لكي تهزم أي فكرة، عليك أن تقدم فكرة أفضل، فكرة أكثر جاذبية وقبولا.

وعليه، فإن الطريقة الوحيدة أمام إسرائيل للتغلب على حماس ستكون التوصل سريعا إلى اتفاق مع الفلسطينيين حول إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا لحدود عام 1967، وتكون عاصمتها القدس الشرقية. وعلى إسرائيل توقيع اتفاقية سلام مع الرئيس محمود عباس وحكومة فتح التابعة له في الضفة الغربية، وبفعل ذلك، سيتم اختزال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صراع بين إسرائيل وقطاع غزة. ومن الممكن حل هذا الصراع الأخير فقط عن طريق التفاوض مع حماس، أو بصورة أكثر عقلانية عن طريق دمج حماس مع فتح.

وحتى إذا استولت إسرائيل على مائة سفينة أخرى في طريقها إلى غزة، وحتى إذا أرسلت إسرائيل القوات لاحتلال قطاع غزة مائة مرة، وبغض النظر عن عدد المرات التي تنشر فيها جيشها وقوات الشرطة لديها والقوات السرية، فإن القوة لا يمكنها حل مشكلة أننا لسنا وحدنا في هذه الأرض، وكذلك الفلسطينيون ليسوا وحدهم في هذه الأرض. لسنا وحدنا في القدس، والفلسطينيون ليسوا وحدهم في القدس. وإلى أن يقر الإسرائيليون والفلسطينيون بالنتائج المنطقية لهذه الحقيقة البسيطة، سنعيش جميعا في حالة دائمة من الحصار: غزة تحت الحصار الإسرائيلي، وإسرائيل تحت الحصار الدولي والعربي.

إنني لا أقلل من أهمية القوة. الويل للبلد الذي يقلل من فاعلية القوة. فمن دون القوة لما استطاعت إسرائيل البقاء على قيد الحياة ليوم واحد. لكن لا يمكننا السماح لأنفسنا بأن ننسى ولو للحظة واحدة أن القوة لا تكون فعالة إلا عندما تكون وقائية، لمنع دمار وغزو إسرائيل، لحماية أرواحنا وحريتنا. وكل محاولة لاستخدام القوة ليس كإجراء وقائي أو للدفاع عن النفس، لكن كوسيلة لتحطيم المشكلات وسحق الأفكار، ستقود إلى مزيد من الكوارث، مثل الكارثة التي جلبناها لأنفسنا في المياه الدولية قبالة شواطئ غزة.

* كاتب وروائي إسرائيلي

* خدمة «نيويورك تايمز»