البعد التراثي للمملكة العربية السعودية

TT

إن العلاقة الوثيقة بين جامعة أكسفورد والمملكة العربية السعودية طويلة الأمد. شهدت على مدار الأعوام الطويلة إسهام الخبراء الدوليين البارزين المتخصصين في آثار شبه الجزيرة العربية. واستفاد منها كثير من الأكاديميين السعوديين وتعد هذه القاعة التي تم الانتهاء منها في الآونة الأخيرة التي تمت تسميتها على اسم صاحب السمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير سلطان بن عبد العزيز، في متحف أشموليان بمثابة دليل آخر على العلاقات القوية بين حضارتينا. وجميع ذلك يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز فهم الثقافة والتراث الإسلامي.

وسوف أتحدث إليكم اليوم عن الآثار والتراث، على الرغم من أنني لست بأي حال من الأحوال خبيرا في هذا المجال، إلا أنني سأتطرق إلى هذه الموضوعات من منظور تاريخي شامل.

لقد أتيت إليكم من المملكة العربية السعودية، مهد الإسلام، والمشهود لها على نطاق واسع بمكانتها الاقتصادية ودورها في المجتمع الدولي.

وبصفتها مهد الإسلام، تحتوي المملكة العربية السعودية على المدينتين المقدستين، مكة والمدينة. ويعد الإسلام هو الحقيقة الأساسية في مجتمعنا. إنه أساس للمسؤوليات العميقة التي تتحملها المملكة تجاه العالم الإسلامي والبشرية ككل.

ومن المسلم به أيضا أن المملكة العربية السعودية لديها وفرة في الموارد البشرية والطبيعية، وتحظى بموقع جغرافي استراتيجي. وتعد المحرك الاقتصادي الرائد في المنطقة والمصدر الأول للنفط في العالم. إننا مساهمون أساسيون في الاقتصاد العالمي وعضو في مجموعة العشرين، التي تتألف من الاقتصاديات العشرين الأكثر أهمية في العالم. وتنبع العلاقات الدولية لدينا - البعد السياسي فيها - من دورنا الإيجابي والمسلم به في المجتمع الدولي، ومشاركتنا الفعالة في الشؤون الإقليمية والعالمية، فضلا عن عملنا الدؤوب للاضطلاع بمسؤولياتنا الإنسانية. وهذه الأبعاد الثلاثة، الدينية والاقتصادية والسياسية، تحدد الكثير مما يُنظر إلى أن المملكة العربية السعودية تجسده اليوم. إنني هنا الآن لأقدم بعدا محددا آخرا، غالبا ما يغفل عنه السعوديون وغير السعوديين على حد سواء. إنه أساسي لوجودنا، ويظهر على أنه امتداد طبيعي من تاريخنا.

إن بعدنا الثقافي غير معروف بالصورة الكبيرة خارج دائرة المختصين في مجال الحضارة السعودية القديمة والحضارة الإسلامية وحضارة ما قبل الإسلام، التي تم الحفاظ عليها، من بين غيرها من الكنوز، في الآثار ومواقع التراث.

إنه الوقت المناسب لكي نحدد ونقدم هذا البعد الثقافي الواضح للعالم، الآن وفي الوقت الذي تضطلع فيه المملكة العربية السعودية بدور متزايد الأهمية في الشؤون الدينية والاقتصادية والسياسية العالمية في ظل مسؤوليات والتزامات متنامية. ومن الضروري كذلك أننا، كشعب، نقر بمسؤولياتنا كأمناء على دين وحضارة عظيمة. إن حضارة المملكة العربية السعودية غنية ومتأصلة في تاريخها. وإن إرثها الثقافي الملموس، وهو محور حديثنا هذا المساء، محفوظ في الآثار والتراث الحضاري. ويقدم ذلك الاستمرارية في مجتمعنا، ويربط بين ماضي المملكة العربية السعودية وحاضرها، والأهم من ذلك، مستقبلها؛ وتعد الآثار هي المصدر الأساس الذي نستشرف منه ملامح حضارة شبه الجزيرة العربية.

وعلى الرغم من أننا نُعرف بتقيدنا بالدين الإسلامي وقيمه، فإننا يجب أن نشير إلى أن الإسلام لم يأت من فراغ؛ بل إنه تأسس على طبقات قائمة من الحضارة، وازدهر في مجتمع ثقافي متباين. وكانت طبيعة المجتمع في ذلك الوقت المرونة والترحال، حيث كان الحج إلى مكة وكذلك اجتماع الناس في سوق عكاظ يشكلان شبكة توسعية للاتصالات والنقل في غرب شبه الجزيرة العربية، مما سهل الانتشار السريع للإسلام، وهو ما يشبه إلى حد كبير تأثير الإنترنت في هذه الأيام.

ومن بين الكثير من الممالك التي كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية، برزت وحدة ثقافية واجتماعية اندمجت لتكون حضارة واحدة. جلب الإسلام معه نظاما للقيم ينقل كل شيء نفعله ويميزنا عن غيرنا. اعترف الإسلام بالحضارات العظيمة في شبه الجزيرة العربية، واحترم الديانات العظيمة التي سبقته، في حين عزز القيم العربية النبيلة القائمة. وأخيرا، أصبحت مسؤولية الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي أرأسها، أن تحمي وتعرض التراث الثقافي بالمملكة كأحد الأبعاد التي تحدد هوية البلاد. ونعترف بأنه كي تُقابل الآثار والتراث العمراني التقليدي بالترحيب وتعرض أمام شعبنا وباقي العالم، فإنه يجب أن تصبح كنوزا وطنية مثلما حدث مع الموارد الأخرى التي تحتويها بلادنا.

ويتكون لدينا إحساس عميق بالمسؤولية عن إعادة اكتشاف وحماية آثارنا الوطنية، فآثارنا جزء من التراث العالمي، وجزء مهم من الهوية الوطنية للمملكة العربية السعودية. ولأن هذا الإرث الثقافي - البعد الرابع - يمثل جوهر ثقافة المملكة العربية السعودية، فإنه يحدوني شعور بالفخر وأنا أصف لكم اليوم بعض ملامح التراث الثقافي في المملكة.

من الناحية الجغرافية والتاريخية، تقع المملكة العربية السعودية في ملتقى عدد كبير من الحضارات والتيارات الثقافية المتشابكة. وينعكس ذلك في علاقات المملكة العربية السعودية في العالم المعاصر، إذ تجبرنا الجغرافيا والتاريخ بصورة طبيعية على لعب دور محوري في العالم وفي الشؤون الإنسانية.

وعلى عكس انطباعات منتشرة على نطاق واسع، لم يتم عزل شبه الجزيرة العربية بالكامل في يوم من الأيام. وتبرهن آثارنا الوطنية على هذه الحقيقة. وتظهر أدلة كثيرة على أن الإنسان سكن في شبه الجزيرة العربية قبل مليون ومائتي ألف عام. وتوجد مواقع تعود إلى ما قبل التاريخ مثل الشويحطية في الشمال ومناطق مفترقة داخل المملكة العربية السعودية تمثل العديد من العصور. وفي النهاية، وفي بداية الألفية الخامسة قبل الميلاد، كونت شبه الجزيرة العربية علاقات على المدى الطويل تتجاوز حدودها، وفي العصور التي تلت وصلت إلى بلاد ما بين الرافدين وبلاد الشام ومصر وحضارات البحر المتوسط. وفي هذه الأثناء، أدى ذلك إلى تأسيس واحة اقتصادية، وفي النهاية إلى تطوير مراكز تجارية كبيرة داخل شبه الجزيرة العربية. وسواء نظرنا إلى الآثار المرتبطة بتجارة البخور القديمة، أو إلى الآثار التي تظهر مع الحج سنويا، تبدو شبه الجزيرة العربية دوما ملتقى الحضارات. وهذا هو الوضع منذ قرون عدة.

ويتجلى ذلك في الموقع المهم في شبه الجزيرة العربية المسجلة في قائمة التراث لعالمي التابعة لليونيسكو وهو مدينة الأنباط العظيمة «مدائن صالح» (200 قبل الميلاد 106 ميلاديا). وتمثل واجهات المقابر العظمية أحد أهم آثار العالم القديم. وتمثل «مدائن صالح» شهادة واضحة على ماضي المملكة العربية السعودية كنقطة عبور.

ويوجد أثر مهم عكف عليه علماء آثار سعوديون وهي مدينة تيماء (1200 قبل الميلاد). وقد بُنيت حوائطها الدفاعية العظيمة على مدار قرون كثيرة نتيجة للتنمية التدريجية بواحة تيماء لتتحول إلى مركز تجاري. وفي الواقع، فإن أهمية مدينة تيماء تكمن في أنها كانت لفترة في القرن السادس قبل الميلاد عاصمة للإمبراطورية البابلية خلال حكم الملك نابونيدوس (القرن السابع قبل الميلاد).

ووسط كثبان النفود شمال السعودية يوجد مشهد رائع حول جبة (7000 قبل الميلاد حتى الآن) مع الكثير من الأعمال النحتية داخل الصخور، ويعد ذلك شيئا فريدا. وفي الواقع، فإننا ندرس تقديم آثار جبة لليونيسكو لتنظر في إدراج المكان ضمن مواقع التراث العالمي.

ويوجد اكتشاف أثري مهم آخر داخل المملكة العربية السعودية وهي قرية الفاو (300 قبل الميلاد - 400 ميلادي)، وقام علماء آثار من جامعة الملك سعود بالتنقيب هناك على مدى عدة أعوام. وبالنسبة لعلماء الآثار العربية، اكتشفت الفاو بالصدفة البحتة، ولكنها أفضت إلى إعادة تقييم مهمة للآثار العربية في قرون ما قبل الإسلام وخلال حقبة مملكة كندة.

وتظهر الأعمال النحتية البرونزية الكبيرة والمجموعة الرائعة من الرسومات والمبنى الضخم الرائع المنقوش عليه بالبرونز لتقدم الحياة بالمدن العربية. وقد ظهرت هذه المدن على امتداد شبكة من طرق البخور القديمة من اليمن عبر شبه الجزيرة. وكان ظهور الإسلام سببا في تغير علاقات هذه الحضارات المزدهرة مع العالم المحيط. وبعد أن كانت شبه الجزيرة على حدود الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية والساسانية، أصبحت مركز الاهتمام الإسلامي المتنامي.

وعلاوة على الأثر الذي خلفه الإسلام على النسيج السياسي والاجتماعي داخل شبه الجزيرة العربية، كان علامة على تحول كبير في التطور المستمر للحضارة العربية، ودفع بالثقافة إلى منعطف جديد مهم. وبمرور الوقت بُنيت منشآت صممت خصيصا لخدمة الحجيج على امتداد الطرق من مصر واليمن وسورية والشرق الإسلامي، علما بأن بعض أهم الآثار السعودية ترتبط بطرق الحج.

ويعد طريق درب زبيدة (القرن السابع) الطريق الأكثر إثارة للإعجاب من بين هذه الطرق، ويمثل أثرا مهما بناه الخليفة العباسي هارون الرشيد وزوجته العارفة زبيدة. ويعد طريق درب زبيدة من بين أهم الآثار الإسلامية في السعودية، إذ يجمع بين الهندسة والعمل الاجتماعي.

وتاريخ الكلمة المكتوبة داخل شبه الجزيرة العربية غزير أيضا، فقد كان كثيرون في شبه الجزيرة العربية قديما يجيدون القراءة والكتابة، وهو ما تشهد عليه الآلاف من النقوش بلغات قديمة وباللغة العربية المنتشرة داخل شبه الجزيرة. وكما أن الإسلام قام بجعل الحج إلى مكة نشاطا عالميا، فقد حدث نفس الأمر مع اللغة العربية التي أصبحت لغة القرآن، والسبب في استمرار الحضارة العربية.

وبفضل التطور الذي شهده علم الآثار على المدى الطويل داخل جامعاتنا، لدينا اليوم موارد بشرية تعمل بفاعلية وتحقق منفعة مشتركة مع فرق الآثار العالمية. ونتيجة لذلك، يعمل 14 فريقا دوليا بالفعل داخل مواقع في مختلف أنحاء البلاد مع علماء الآثار السعوديين. وكان ذلك الأمر خارج استطاعتنا قبل عشرة أعوام. ويمثل توحيد شبه الجزيرة العربية تحت الدولة السعودية الأولى (1744 - 1818) نقطة تحول أخرى في تاريخنا، وقد وسع ذلك من حدود الدولة لتشمل معظم شبه الجزيرة العربية. ومن المواقع المهمة التي ارتبطت بهذا التوحيد، مدينة الدرعية، وهي العاصمة التاريخية للدولة، وأحد أكبر المدن الباقية داخل المملكة التي تجسد الفن المعماري. ويجري حاليا ترميم الدرعية، وقد اقترح إدراجها ضمن مواقع التراث العالمي، مع المواقع الأخرى الهامة.

الالتفات إلى أهمية هذا البعد التراثي الذي أوضحته يدفعنا نحو اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية تراثنا، مثل الأمر الملكي الكريم الصادر عام 2008 الذي دعا إلى تحديد المواقع الإسلامية داخل المملكة والعمل على الحفاظ عليها وحمايتها. إضافة إلى ذلك، بدأ تنفيذ برنامج لإعادة ترميم مساجد عتيقة وتاريخية بالشراكة بين وزارة الشؤون الإسلامية و«مؤسسة التراث».

وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نظمت الهيئة السعودية للسياحة والآثار منذ عهد قريب للغاية (23 - 28 مايو/أيار الحالي) المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية، الذي استضاف مئات المشاركين الذين مثلوا أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، بجانب مئات المتخصصين والمتحدثين، ليصبح بذلك أكبر مؤتمر من نوعه تشهده المملكة. وجرى استغلال هذا الحدث في تعريف ملايين الطلاب والمسؤولين في مختلف أرجاء المملكة بأهمية التراث الوطني.

على الصعيد الدولي، شرعنا في استعراض آثارنا وثقافتنا في سلسلة من المعارض الوطنية والدولية كان أولها معرض الآثار السعودية في متحف اللوفر في منتصف يوليو (تموز) 2010، الذي من المقرر أن يتجول بعد ذلك في متاحف أخرى بمختلف أنحاء العالم.

إننا نوجه استثمارات جادة إلى التعليم الثقافي لمواطنينا، وتنمية شعور الاهتمام والاعتزاز بالتراث الوطني داخل مجتمعاتنا والأجيال الشابة كي يحتضنوا تراثهم. وتأكيد أن المواطن هو حارس التراث والمستفيد الأول من المحافظة عليه وتطويره، ونؤمن بأن من مصادر اعتزاز المواطن بتراثه داخل البلاد كعنصر رئيس من هويتنا الوطنية أن تقام متاحف جديدة، عامة ومتخصصة، بما في ذلك متحف دار القرآن بالمدينة، وترميم المباني التاريخية المرتبطة بالدولة السعودية، التي من المقرر تحويلها إلى مراكز ثقافية وتعليمية لمجتمعاتنا.

وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، نعمل على تعريف المعلمين والطلاب بالمواقع الأثرية والمتاحف والتراث العمراني، وتعزيز الوعي لدى صانعي السياسات وقيادات الفكر على الصعيدين الإقليمي والمحلي والرأي العام بصورة عامة، والتركيز على أهمية تراثنا كجزء مهم من الهوية الثقافية السعودية ودورهم في حمايته.

وتشهد المملكة بالفعل تنفيذ برامج لترميم أوسط المدن التاريخية والقرى والبلدات التراثية والأسواق الشعبية، ويجري تقديم تسهيلات مالية حكومية للراغبين في ترميم المباني التراثية والاستثمار في المباني التي يملكونها وتشكل جزءا من التراث.

وقد أحرزنا تقدما كبيرا على صعيد وضع أرشيف حول تاريخ المملكة. وجمعت مكتبة الملك عبد العزيز العامة ومكتبة الملك فهد العامة ومؤسسة التراث الخيرية بالفعل، وتم إنجاز عدد من سجلات المواد المكتوبة والصور المهمة عن تاريخ المملكة.

وقد أضافت هذه المبادرات والمشروعات منفعة جديدة تتمثل في تحقيق قيمة اقتصادية وخلق فرص عمل داخل قطاع السياحة وإشراك المجتمعات المحلية في حماية تراثها، بجانب إعادة إثارة الاهتمام بالحرف التقليدية، وهو قطاع آخر من الفنون الحية التي شاركنا بها بحماس عبر أرجاء المملكة.

ويعد تراثنا ركيزة مهمة للتنمية السياحية وذلك لإدراكنا أن السياحة المستدامة تشكل مصدرا كبيرا لفرص العمل ومحركا ضخما للتنمية ووسيلة يمكننا من خلالها حماية تراثنا واستغلاله على نحو فاعل كي يتحول إلى نقطة جذب تساعد على التفاعل الاجتماعي بين المجتمعات.

مثلما ذكرت في البداية، غالبا ما تنعكس هويتنا على الأبعاد الإسلامية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بنا. وآمل أن أكون قد عرضت ما يدعم الاعتراف بالبعد الرابع المتداخل بشدة مع الأبعاد الثلاثة الأخرى.

وبينما نتخذ مكانتنا الملائمة في مستقبل الإنسانية، يجب أن تتعلم أجيالنا الشابة تقدير تراثها وأن تدرك هويتها الحقيقية والدور الذي يتحتم عليها الاضطلاع به لما فيه نفع البشرية، إن شاء الله.

كما نؤمن بقوة بأن الدور الذي تضطلع به السعودية الآن، وستلعبه في المستقبل، لم يستنبط أو يبتدع من فراغ، وإنما هو دور ناتج عن مكانتنا الطبيعية كورثة سلسلة حضارات عظيمة وحماة أقدس المواقع الإسلامية. فالمملكة ليست طارئة على التاريخ والمكانة التي تتبوأها اليوم والأدوار التي تؤديها سياسيا واقتصاديا هي امتداد لإرث حضاري عريق.

من جانبنا، ندرك حجم المسؤولية الملقاة علينا بينما نمضي قدما في الاستعداد للتصدي للتحديات الجسام التي تنتظرنا.

تشهد السعودية اليوم تنفيذ برنامج إنمائي هائل بقيادة الملك الشجاع صاحب الرؤية وبعد النظر، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يعكف على رسم توجهات جديدة والبناء على الإنجازات العظيمة لأسلافه. وذلك بمؤازرة وعون من ولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز.

إن مرحلة التطوير الراهن التي رسمها الملك عبد الله تعد تحولا كبيرا وتتميز بطابع ضخم وجريء. ويستمد هذا التطور جذوره من فهم عميق لتراثنا وقيمنا وشعورنا بالهوية، ويأتي متوافقا مع التنمية التي أطلقها جلالة الملك الراحل عبد العزيز، مؤسس السعودية المعاصرة، بغية التحديث والتطوير، وفي الوقت ذاته الحفاظ على قيمنا التي شكلت أساس وحدة السعودية.

بجانب دورنا العظيم والخالد كحماة لأقدس الأماكن الإسلامية، والموارد البشرية والطبيعية الهائلة التي نحظى بها، فإن هناك اعترافا بتراثنا كأصل حيوي وعنصر محوري في تحركنا نحو التحديث والرخاء.

لقد كان من شأن إعادة توحيد بلادنا إعادة إقرار التناغم الاجتماعي ووحدة شبه الجزيرة العربية. والآن، سيسهم إحياء مواقع وقرى التراث الخاصة بنا في بلورة هذه الوحدة. في الواقع، إن توحيد السعودية الحديثة لم يكن توحيدا ماديا فحسب، ولكنه توحيد لشعب يتشارك في قيم وتاريخ ومصير واحد.

* رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ومؤسس مؤسسة التراث في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية.. والمقال هو نص الكلمة التي ألقاها بمناسبة زيارته للمركز.