من غاب ومن حضر

TT

يعكس المستوى الذي انزلقت إليه الحياة البرلمانية في الكويت غياب القضايا القومية عن الباحة السياسية بشكل عام. وكانت المعارضة في الكويت تتألف من القوميين العرب والليبراليين والمستقلين الذين يعملون في سبيل تمتين الدولة ودورها في محيطها الكبير والصغير، فأصبحت مؤلفة من مجموعات صاخبة، أبرز قضاياها نجوى كرم وأغاني روبي، بالإضافة إلى حملات مقدسة ضد كتب لا يقرأها أحد ولا يدري بها أحد سوى العمل النيابي الجديد.

وكان مجلس الأمة يصاب بعدوى الديمقراطية المتعافية، فأصبح يرسل عدواه إلى دول تمارسها منذ زمن طويل، كمصر، التي ينقب محاموها في «ألف ليلة وليلة» فيما أمام أعينهم ألف قضية اجتماعية وألف أخرى.

برلمانات عربية أخرى أصبحت على مستوى الجدل الذي غرقت فيه المعارضة الكويتية من دون أن تأبه للضرر اللاحق بعمل الدولة ومصالح الناس. وتخطر للفور طبعا الحياة السياسية في لبنان، لكن للأسف يخطر أيضا المستوى الذي وصل إليه بعض البرلمان وبعض الصحافة المصاب بعدوى الإثارة، بدل الحرص على مراقبة الأداء الحكومي بطريقة مقنعة وأسلوب غير مشوب.

حتى المعارك الانتخابية نفسها انحدرت مستوياتها بشكل فاقع ومؤسف. ولم نعد نجد في البرلمانات العربية رجالا يمثلون تلك القضايا والتيارات التي شغفت الأمة وشغلتها طوال عقود. لقد أصبح الحديث عن القومية العربية الآن كالحديث عن الحفريات في الأقصر. والذي يذكر بالأمر يبدو مضحكا أو على حافة الخرف. فهذا الزمن هو الزمن الذي تنبأ به «غوار» في «حارة كل من إيدو إلو».

لا علاقة لأي دولة عربية بما يجري لأي دولة عربية أخرى. العراق يتفتت وحيدا، والخليج يخاف وحيدا، والسودان لم يستدع حتى وسطاء عربا لمساعدته في دارفور أو في الجنوب.

وفيما يدخل العالم العربي في غيبوبة روبي و«ألف ليلة وليلة»، تنهض من حولنا قوتان قديمتان بأحلامهما وذكرياتهما الإمبراطورية: إيران وتركيا. وتلعب إيران دور المحارب الذي لا يقبل بأقل من زوال إسرائيل، فيما تلعب تركيا دور الوسيط الذي لا يقبل بأقل من السلام الشامل. ويرى العرب أنفسهم، تلقائيا، في معسكرين سياسيين، كأعضاء لا كقادة. وعندما وصل عمرو موسى إلى أمانة الجامعة كان ينادي بالقومية العربية فأصبح الآن يدعو إلى إطار من.. دول الجوار.