الاستقواء بالشر

TT

لا أنكر أنني أشد الكلام من قلبي شدا صعبا لأن جريمة الاثنين 31 مايو (أيار) 2010، في عرض البحر، التي أقدم عليها «الأبالسة»، بعد اجتماع وتخطيط أو من دون ذلك، لا يجدي معها أي شكل من أشكال الكلام.

إننا أمام عصابة تستقوي بالشر؛ تعتمده شريعة ومنهاجا، لا تتحرج من اللاأخلاقية، بل تتباهى بها وتؤصلها وتشحذها وتسن أسنانها وتصقل حدة أظفارها؛ إذ تجدها السبيل الناجع لإعلاء رايتها غير الشرعية وتحقيق أهدافها المنافية للقوانين والمتنصلة من التعهدات والاتفاقيات والالتزامات والأعراف الدولية.

إنها مجموعة اختارت من تاريخ البشرية أقبح وسائله الهمجية التي تزدري الرحمة وتراها ضعفا لا يستحق سوى التهكم والتنديد والتسفيه، وليس لديها آية تماثل: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»، مجموعة تجد أسوتها وقدوتها في شرائع اللاتقوى من أول هولاكو وجنكيز خان حتى هاري ترومان، صاحب قرار إلقاء القنبلتين النوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، حين قامت القوات المسلحة الأميركية بإلقاء القنبلة الأولى المسماة «الولد الصغير» على هيروشيما صباح 6 أغسطس (آب) 1945، والقنبلة الثانية المسماة «الولد السمين» ضحى 9 أغسطس (آب) 1945، وكان العدد الإجمالي للضحايا 237.062 غالبيهم من المدنيين، وبرر الأميركيون فعلتهم بأنها كانت الوسيلة المتاحة لإيقاف الحرب العالمية الثانية «للحيلولة دون إراقة المزيد من الدماء»!

في هجمتهم اللاأخلاقية على سفينة الإغاثة الإنسانية لأهل غزة المحاصرين، بالإنزال الجوي والاقتحام البحري، لم تأبه حكومة إسرائيل لغضب الرأي العام العالمي، أَوَليسوا هم الذين لم يترددوا في سحق الناشطة الأميركية راشيل كوري بجرافتهم وفوّتها لهم المجتمع الدولي وهو يملأ فمه بطلب إطلاق سراح الجندي شاليط؟ بالتأكيد لم تكن تعنيهم، قيد أنملة، أو تستهولهم أية إدانة تنعتهم بالقرصنة، فماذا تكون القرصنة إلى جانب اغتصاب أرض وهدم بيوت واقتلاع زراعات وتجريف تاريخ وتزوير هوية؟ أما المجزرة فما الجديد؟ هل عاتبتهم الإدارة الأميركية، في مجازرهم السابقة التي لا تعد ولا تحصى بأكثر من تلك العبارة السقيمة عن «القوة المفرطة»؟ وهل تراجع البعض عن الاستهانة بروح المقاومة إدعاء لعقلانية ليس بها ذرة من عقل؟ وهل توقف العدميون المثبطون اليائسون عن لحس التراب والتواصي والتوصية بالصمت والاستكانة والخنوع؟ وهل استبان أصحاب الألسنة الحداد تخليطهم الأمور في مسائل الوعي وتزييفاته وانتهوا عن سلق الناصحين برؤية الحق حقا والباطل باطلا؟

الاستقواء بالشر لا يفله غير الاستقواء بالخير والحق والعدل والصمود والاستمرار المتفاني في مقاومة الأبالسة بكل أشكالهم وأحجامهم وألوانهم؛ وكيفما ظهروا وبانوا في هيئة بشر أو عفاريت!