فرصة من وسط المشكلة

TT

ضمن الأحاديث والتعليقات التي خرجت عقب سيول وأمطار جدة والمناطق الأخرى بالسعودية، كان موضوع على من تعلق المسؤولية. وفي ضمن هذا السياق تم التطرق إلى أدوار مجالس المناطق والمجالس البلدية.

في جلسة جمعتني بمهندس وآخر أكاديمي موجودين في مجلس المنطقة والمجلس البلدي كل على حدة، انطلقا في حديث «فضفضة» وشكوى بأنهما محبطان حيث إن المجلسين بلا صلاحية ولا قدرة على تحقيق وتفعيل المقترحات على أرض الواقع.

واستغربت من هذا الحديث الذي يدار مع ناس لا علاقة لهم بالمسألة وأن الحديث يجب أن يكون ضمن المجلس نفسه، فإما المتابعة المستمرة حتى تفعيل اقتراحات التغيير والإصلاح أو الاستقالة والخروج من المنصب وإتاحة المجال لآخرين بدماء جديدة وأفكار غير محبطة، أما الاستمرار في عقلية الـ Room Service أو خدمة الغرف، والاعتقاد بأن كل الأمور ستتبدل بضغطة زر أو بتكليف الغير بعملها فهو اعتقاد واهن وخاطئ.

هناك شراكة بين المواطن والقطاعات الخدمية، وهذا يتطلب جهدا كبيرا في توصيل هذا المفهوم الجديد وبالتالي العمل على تطويره وطبعا تغييره.

المشكلة أن مناصب مجالس المناطق والمجالس البلدية تحولت في الكثير من الأحيان إلى مناصب لأجل الجاه والبروز الاجتماعي (كما هو الوضع في رئاسة الأندية الأدبية والأندية الرياضية ومجالس الغرف التجارية) لأنه لا يوجد سقف زمني يحدد مدة الخدمة والعضوية، فطبعا يفتح هذا المجال وبقوة لسيطرة المحاسيب والأنصار على مناخ العمل، وبالتالي تتكون بؤر الفساد وغياب المحاسبة وانعدام المسؤولية، هذه المجالس المكونة هي مكان الاقتراحات ومكان الشكاوى ومكان النقاش؛ لأن الأعضاء الموجودين بها هم وصلوا لهذه المكانة بالاختيار الرسمي أو بالانتخابات المباشرة لأجل تمثيل القاعدة الشعبية من عامة الناس ونقل الشكاوى وتبيان اقتراحات الحل ومتابعته مع الجهات التنفيذية والتخفيف من ثقل الأسلوب القديم والتقليدي في تقديم الشكاوى والبدء في العمل بأسلوب مؤسساتي.

التجربة جديدة وسيكون فيها المحبط والمنغص والمتعب والمؤلم، ولكن البديل هو الاستسلام والمزيد من المشاكل. قد يكون من المفيد جدا والمهم جدا عمل دراسة تقيم فيها كفاءة وفعالية مجالس المناطق والمجالس البلدية لليوم، وما هي نقاط القوة لديها وطبعا أيضا ما هي نقاط الضعف والشكوى.

هناك تفاوت واضح في أداء مجالس المناطق والمجالس البلدية بحسب المنطقة، مما يعنى أن هناك أعضاء أكثر فعالية وأكثر حراكا ولديهم قدرة أفضل على التفاعل مع المشاكل ومع المواطنين وشكواهم، وبالتالي لا يمكن الحكم بالمطلق على كافة المجالس بالفشل التام وفقدان الأمل فيها جميعا. ولكن استمرار الشكاوى «الخاصة» في المجالس «المغلقة» هي مسألة محبطة وتبث روح القنوط في العامة، وأعتقد جازما أن المسألة بحاجة لحوار جاد في تطوير العلاقة بين هذه المجالس المستجدة والدوائر والقطاعات التنفيذية، يتم فيه الحديث بشفافية وليس بعقلية «مع أو ضد». ما حدث من مشكلات ومآس نتاج هطول الأمطار وقصور البنى التحتية هو في الحقيقة فرصة جذرية للإصلاح الإداري في مواقع مهمة وحساسة تعود بالنفع الكبير على الجهاز التنفيذي وعلى المواطن في آن واحد، فالمسألة هي شراكة ومصلحة واحدة، وليست خصومة أو عراكا بين طرفين.

[email protected]