المصالحة هي الحل

TT

بالتأكيد يستحق قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إرسال وفد إلى غزة لبحث المصالحة مع حماس اعتباره خطة إيجابية، وإن كانت التجارب السابقة لهذا المسلسل من الخلاف بين السلطة والحركة المسيطرة على غزة تدعو إلى الحذر في رفع توقعات الآمال بحدوث انفراجة فلسطينية - فلسطينية سريعة، إلا إذا كانت التطورات الأخيرة بعد حوادث سفن المساعدات الدولية قد خلقت طريقة تفكير ومنهج جديدين، خاصة لدى حماس.

وقد خلق الهجوم الدموي الذي نفذته القوات الإسرائيلية على سفينة المساعدات التركية (مرمرة) الذي أدى إلى قتلى وجرحي بما أثار مشاعر العالم، خلق حالة جديدة بين الأطراف المعنية إقليميا ودوليا، بما في ذلك الولايات المتحدة بأن وضع الحصار الحالي المفروض على غزة غير قابل للاستمرار بما يخلقه من معاناة للسكان هناك.

وطرحت في اليومين الماضيين أفكارا أوروبية أفادت بعض التقارير والتصريحات أن حماس قد تقبل بها وهي وجود مراقبين أوروبيين أو دوليين على المعابر إلى غزة، أو - حسب اقتراح فرنسي - تفتيش أوروبي أو دولي لسفن المساعدات المتوجهة إلى القطاع تحمل المؤن واحتياجات السكان هناك، بينما أكدت تصريحات مسؤولين أميركيين مناقشتهم لإسرائيل في مسألة رفع الحصار والسماح بوصول المساعدات إلى السكان هناك.

وكل ذلك إيجابي بالنسبة إلى سكان غزة، فرفع الحصار خطوة مهمة، إنسانيا ومبدئيا لأن العقاب الجماعي مسألة مرفوضة في القانون الدولي، وسياسيا لأن من شأنه تخفيف حالة الاحتقان الحالية، لكنه ليس كل شيء.

فتدفق الإمدادات للاحتياجات المدنية حق يجب أن يصان، ويكون مكفولا في جميع الأوقات، لكن العودة إلى الوضع الطبيعي شيء مختلف عن مجرد السماح بوصول سفن مساعدات تمولها منظمات إغاثة وجمعيات حقوقية، فالأوضاع الطبيعية تعني حرية التجارة استيرادا وتصديرا وخلق اقتصاد محلي قادر على متطلبات الحد الأدنى لخلق الوظائف، وليس أن يكون 70 في المائة من السكان ليس لديهم عمل، أو أن تكون الفرصة الوحيدة هي العمل في ميليشيا أو الشرطة، وهو أمر ممكن، والمثال على ذلك وضع الضفة الغربية التي تشهد ازدهارا اقتصاديا نسبيا رغم الاحتلال، ووضع غزة.

المطلوب هو وضع دائم وليس حلولا مؤقتة، وهذا يحتاج إلى عنصر أساسي هو المصالحة الفلسطينية بين فتح والسلطة من جانب، وحماس بما يجعل الطرف الفلسطيني موحدا في ما يطرحه من مطالب وحلول تجاه العالم. فأصل المشكلة الانقسام الذي حدث، وأوقف ترتيبات كان معمولا بها سابقا عندما كانت السلطة الفلسطينية موجودة في غزة قبل أن تطرد وتصبح الأنفاق وسيلة حياة، وطريقة تجارة يستفيد منها البعض.

وقراءة المواقف السياسية للجانبين تعطي الانطباع بأن الخلاف شقته ليست بهذا الاتساع، فحماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود 67، وهو بالضبط ما تسعى إليه السلطة، مع اختلاف الصياغات، والبقية مجرد دعاية ودغدغة للرأي العام.

المشكلة الحقيقية التي أخرت المصالحة وعطلتها حتى الآن أنها كانت رهينة أطراف إقليمية تستخدمها كورقة في مصالح أو صراع أكبر، تستغل فيها القضية الفلسطينية كجزء من أوراق اللعب والمساومة فيها، وتعزيز النفوذ الإقليمي، في حين أن المصالحة كانت ستصبح سهلة لو رفعت الأطراف الفلسطينية العلم الفلسطيني فقط.