أجندة أوباما لحقوق الإنسان

TT

ما هو النظام الدولي الذي يريده باراك أوباما؟ في الأسبوع الماضي أعطى أوباما جوابا تفصيليا على ذلك، حيث قال: «نظام يستطيع التعامل مع التحديات الموجودة في وقتنا، ويواجه أعمال التمرد والتطرف العنيف، ويوقف انتشار الأسلحة النووية، ويؤمّن المواد النووية، ويحارب التغيّر المناخي، ويحافظ على النمو العالمي، ويساعد الدول على توفير الغذاء لأنفسها، ويوفّر الرعاية للمرضى، ويحل النزاعات، بل يحول دون نشوبها، ويستطيع علاج جراحه أيضا».

إنها أجندة كبيرة، ولكن ألا يوجد شيء مفقود؟

لم يُشر أوباما في جملته المطوّلة، التي كانت في معرض مقدمة حول استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، إلى أن «التواصل» الدولي الذي يقترحه يسعى إلى محاربة الاستبداد أو الطغيان أو إلى ترويج الديمقراطية. وفي هذا، فإنها نموذج لأول تقرير شامل يقدّمه أوباما عن أهداف إدارته في مختلف أنحاء العالم. ونظريا، تأتي حقوق الإنسان في مرتبة ثانية، وقد ظهر ذلك أيضا في الواقع العملي خلال عامه الأول في منصب الرئيس.

وفي الأغلب تقدّم التصريحات السياسية المهمة داخل واشنطن خارطة طريق للصعوبات المرتبطة بالسياسة داخل الإدارة، ولا نستثني من ذلك التقرير الذي نشره أوباما الخميس الماضي وجاء في 52 صفحة. ويبدو أن واقعيي البيت الأبيض ذوي الميول اليسارية - الذين يسعون إلى وضع حد لعلاقات البيت الأبيض الخارجية وتحويل الموارد إلى برامج محلية والتخلص من عبء «أجندة الحرية» التي تبناها جورج دبليو بوش - قد حققوا فوزا خلال كل النقاشات الكبرى. ولا تتضمن تعريفات الاستراتيجية داخل التقرير، بدءا من كيفية هزيمة تنظيم القاعدة وصولا إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والتعامل مع كوريا الشمالية والتعامل مع إيران، أي ذكر لحقوق الإنسان أو الديمقراطية.

وكما هو الحال مع إدارة بوش من قبل، يقول فريق أوباما إن أميركا لديها مصلحة في تأسيس دولة فلسطينية، ولكن على عكس إدارة بوش لا يقول أوباما إنها يجب أن تكون دولة فلسطينية ديمقراطية. وتقول السياسة إن آيديولوجية تنظيم القاعدة المتطرفة يجب محاربتها بأجندة «الفرصة والأمل»، ولكنها لا تذكر الحرية. وورد في جزء يحمل عنوان «الترويج لإيران مسؤولة» أن «الولايات المتحدة تريد مستقبلا تضطلع فيه إيران بالمسؤوليات الدولية المنوطة بها.. وتتمتع فيه بالفرص السياسية والاقتصادية التي يستحقها شعبها». ولكن، هل يشمل ذلك حرية التعبير وحرية الانتخابات، كما تطالب الحركة الخضراء المعارضة؟ لم يذكر التقرير ذلك.

وقد حصل مناصرو أجندة الحرية التي يتبناها أوباما بالفعل على فصل داخل التقرير يحمل عنوان «القيم». ولكن فصله الواضح عن «المصالح» الثلاث الأخرى وهي «الأمن» و«الرخاء» و«النظام الدولي» يضفي على مقترحاته إحساسا بالعزلة. وتبدأ السياسة باثنين من المؤهلات الكبرى: ستعزز الولايات المتحدة من قيمها بالأساس «من خلال العيش بهم في الداخل»، وسوف «تعترف بالفرص الاقتصادية بوصفها حقا من حقوق الإنسان». ويعني ذلك أن «الدعم من أجل الصحة العالمية وأمن الغذاء وردود الفعل التعاونية في الأزمات الإنسانية» سيكون له نصيب من الاهتمام وجزء من الموارد إلى جانب محاربة الاستبداد والتعذيب، وهو ما سيكون خبرا سارا للحكام مثل بورما وكوريا الشمالية.

ويتسم نقاش التقرير لـ«التواصل مع الأنظمة الحاكمة غير الديمقراطية» بالحكمة، ولكن ينقصه شيء. ويقول التقرير إن الإدارة ستتبنى «منهجا يعتمد على مسارين» تقوم من خلاله بإقناع الحكومات بحقوق الإنسان بأسلوب لطيف مع دعم المعارضة السلمية. ويقول التقرير إنه «عندما تُرفض العروض التي نقدمها»، ستستخدم واشنطن «الدبلوماسية في السر والعلن» و«حوافز ومثبطات» من أجل «تغيير السلوك القمعي».

ولكن، هل ستطبق هذه السياسة على روسيا، حيث لم تعرض الإدارة حتى الآن سوى حوافز؟ يقول التقرير، ولكن بصورة غير واضحة: «نحن ندعم الجهود داخل روسيا من أجل تعزيز حكم القانون والحكومة التي يمكن مساءلتها والقيم العالمية». وماذا عن العرب في منطقة الشرق الأوسط العربي؟ «سنستمر في الضغط على الحكومات داخل المنطقة كي تقوم بإصلاحات سياسية تقلل من القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية التجمع وحرية وسائل الإعلام»، كما أشارت جملة مدفونة في الصفحة 45.

ربما لا يكون لهذا التحليل النصي معنى، ولكن تحتوي استراتيجية أوباما المكتوبة على الكثير من النقاط المشتركة مع ما حدث فعلا منذ توليه مهام منصبه. وسيكون ذلك مألوفا بدرجة كبيرة للحركة الخضراء المعارضة في إيران أو لقيادات حركة ناشئة تدعو إلى الديمقراطية في مصر، الذين أصيبوا بخيبة أمل من هذه الإدارة. وسيؤكد على تفكير فلاديمير بوتين في روسيا وهو جين تاو في الصين ورأيهما في أن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لن تحتِّم إجراء إصلاحات داخلية.

وقد برهن أوباما بالفعل على أنه لا يوافق على ما خلص إليه بوش من أن ترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يمكن فصله عن السعي لهزيمة تنظيم القاعدة وبناء نظام عالمي عملي. ولكن لا يوجد في مكان داخل الـ52 صفحة توضيح محكم عن السبب وراء ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»