هيلين وحرية أميركا

TT

يمكنك أن تنتقد إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية كما تريد، بشرط أن لا تكون لديك أي طموحات للوصول إلى مواقع رفيعة، فهذه المواقع - في الغالب - لا يصل إليها إلا الذين يمتلكون المهارة لشد لجام الكلام عند الحديث عن أخطاء إسرائيل، فاللوبي المعروف لا يرحم المنتقدين، ولذا تجد أكثر الذين يتورطون في نقد إسرائيل صباحا يلعقون كلماتهم قبل أن يناموا ليلا، ورغم اعتذارهم قد يدفعون الثمن غاليا، وهذا ما حدث لهيلين توماس، عميدة صحافيي البيت الأبيض، حينما «نقح» العرق العربي الأصيل في داخلها، فباحت لأحد الصحافيين بأن الشعب الفلسطيني شعب محتل، وأن على الإسرائيليين العودة إلى بولندا وألمانيا والولايات المتحدة، وكل مكان آخر، فتحولت حياتها في لحظة إلى جحيم، وانهال عليها النقد من كل حدب وصوب، ولم تجد الصحافية التسعينية مفرا من الاعتذار، مبدية الندم على تصريحاتها، ولم تكتف بذلك، بل قدمت استقالتها من مجموعة صحف «هيرست» التي تعمل بها - ربما - استباقا للإقالة.

من المؤكد أن ثمة كثرة صامتة في الولايات المتحدة الأميركية لا تتفق مع سياسة إسرائيل، ولكنها لا تعبر عن آرائها؛ خشية أن تحول تلك الآراء دون تحقيق طموحاتها، فمقولة بول فندلي الشهيرة «من يجرؤ على الكلام؟»، لم تزل حاضرة في الأذهان، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن أميركا تفتقر إلى الحرية، فلدى شعبها مساحات من الحرية لا يمتلكها الكثير من شعوب الأرض، لكن هذه الحرية تصطدم حينما يأتي الحديث عن إسرائيل بماكينة إعلامية ضاغطة، هي في بعض الأحيان تكون أكثر إيلاما من أي شيء آخر، وفي ظل هذا المناخ يمكن تفسير الالتزام بمبدأ «مراعاة الخواطر» في تصريحات السياسيين الأميركيين في المسائل المتصلة بإسرائيل، وليس ثمة فرق كبير بين سياسي وآخر، فالكل في ادعاء عشق إسرائيل سواسية.

أغلب الظن أن هيلين توماس التي ستحتفل بذكرى ميلادها التسعين في 4 أغسطس (آب) القادم لن تجد هذا العام من يغنّي لها في هذه المناسبة، كما فعل أوباما في ذكرى ميلادها العام الماضي، وعلى الأرجح أنها ستحتفل بها وحيدة، ولولا اعتذارها لظننتها قد طبقت القول الشهير: «قل كلمتك وامضِ».

[email protected]