حدث في مصر..

TT

على الرغم من أن حياتي كلها قد كرستها للآثار المصرية اكتشافا وسهرا وسفرا وكتبا.. وكثيرا ما أشعر بأنني أعيش بين الفراعنة، أراهم وهم يتحركون ويتحدثون ويعملون بكل جد وحب لبلدهم.. فإنني كثيرا ما أعود من هذا العالم المثير إلى الواقع لأرى وأرصد ما يحدث حولي، سواء الحالة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في المجتمع المصري، ولا أستطيع سوى عقد مقارنات غير واقعية بين اليوم والأمس البعيد، هذا ما يفعله عقلي ووجداني دائما دون إرادة مني.. عندما أجلس مع الأصدقاء فإن معظم الحديث يكون عن الحاضر والمستقبل في مصر ووطننا العربي.. وفى آخر حوار بيني وبين الأصدقاء تناولنا تجربة جديدة في مجتمعنا لم نشاهدها سوى في الولايات المتحدة الأميركية، وهي تجربة حزب الوفد.. حيث تنافس على منصب رئيس الحزب محمود أباظة والدكتور السيد البدوي. وأنا أعرف محمود أباظة من خلال مجلس الشعب، ويتفق الجميع على أنه رجل محترم صاحب قضية، وعلى الرغم من أنني لم أتقابل من قبل مع الدكتور السيد البدوي، فإننا تحدثنا تليفونيا، وكل ما سمعته عنه أنه واحد من أصحاب الضمائر والنوايا الحسنة..

وشاهدت الكثير من المناظرات على شاشة التلفزيون المصري، منها ما قام به صديقي خيري رمضان في برنامج «مصر النهارده»، والإعلامية اللامعة منى الشاذلي. وقد كانت مناظرات شريفة ومحترمة جعلتني أنظر إلى الاثنين (البدوي وأباظة) باحترام كبير.. لم أر أي تجاوزات، وقام كل منهما بعرض برنامجه الإصلاحي والانتخابي بكل بساطة وحرية دون تجريح..

ولعل من الأشياء الرائعة التي حدثت موقف محمود أباظة وجريدة «الوفد» التي ظلت محايدة تماما، على الرغم من أن أباظة هو مرشح الحزب، ويأتي على رأس الحزب والجريدة، لكنه لم يستغل منصبه، وأراد أن يحدث داخل حزب الوفد مناخ ديمقراطي، ولأول مرة نجد انتخابات داخل حزب سياسي لا تشوبها شائبة، وأعلنت النتيجة بفوز الدكتور السيد البدوي.. وهنا وقف الاثنان معا ليعلنا النتيجة في جو ديمقراطي جميل، ويهنئ أباظة بدوي من دون أي حساسيات أو أي خلافات.

وقد أعلن الدكتور السيد البدوي أنه وضع برنامجا للنهوض بالحزب وضرورة وجوده في الشارع المصري لكي يعيد أمجاد «الوفد»، وأيضا يطور جريدة «الوفد» ويعيد إليها ثقة كل المصريين وليس الوفديين فقط، ويجعلها ضمن الصحافة المصرية التي تتحدث باسم مصر وتعبر عن آمال وأحلام شباب هذا الوطن. ولم يعلن الدكتور السيد البدوي أنه سوف يعمل فقط مع من أيدوه، بل أعلن أن حزب الوفد للكل، وأنه إذا لم يستطع أن ينفذ برنامجه خلال ثمانية عشر شهرا فإنه سوف يترك موقعه لشخص آخر.

أعتقد أن الدكتور السيد البدوي سوف يكون الفارس السياسي المعارض الأول في مصر في الأيام القادمة.. لأنه احترم الآخرين، ويعمل من دون قصاص من أحد، وليس له عدو تقليدي، وفى الوقت نفسه يملك قنوات فضائية لم أر فيها إشارة واحدة ضد أحد.. هذا ما حدث في مصر.. وفي انتظار المزيد.