قالت كلمتها ومشت

TT

كانت هيلين توماس نموذجا على نجاح الهجرة اللبنانية، لكنها كانت أيضا مثالا على الحرص على الكرامة الإنسانية وحفظ الاحترام. وبدت صورتها، طوال عقود، ملازمة لصورة صاحب البيت الأبيض. فعندما يفتتح مؤتمره الصحافي يخاطبها قائلا: «فلنصغ أولا إلى ما تريد هيلين أن تسأل عنه». ودائما كان السؤال الذي تطرحه في صلب القضية المثارة، بكل احترام لكن أيضا بكل شجاعة.

لم يستطع اللبنانيون احتكار هيلين توماس. لم تتدخل في خلافاتهم، صغيرة أو كبيرة، بل التزمت دعم القضايا العربية، وجاهرت بتأييد القضية الفلسطينية، رغم ما يعنيه ذلك في عاصمة مثل واشنطن، حيث اللوبي الإسرائيلي هو الرقيب الأول في الإعلام وفي السياسة.

بدت المرأة المتجعدة، البسيطة المظهر، مثل جدة تريد أن تنشئ أحفادها على حسن السلوك. وأحفادها كانوا الجميع، بدءا بالرئيس. أما في الواقع فلم ترزق هيلين، التي تزوجت في سن متأخرة، بأبناء. خاطبت الجميع بلغة واحدة واستقامة واحدة، مقدمة مهنيتها وكرامتها على كل غاية أو هدف أو بقائية.

ربما كان هذا حلمها مع أنها لم تخطط له؛ أن تغادر البيت الأبيض في عاصفة، وأن تترك مقعدها التاريخي في الصف الأول تتقدمها كرامتها ويلازمها موقفها الإنساني. كادت هيلين توماس تحتفل ببلوغها التسعين وتجاعيد التسعين، وهي ترافق الرؤساء، من جون كيندي، الذي بدأ أول خطوات عملية لتحرير الأميركيين الأفارقة، إلى باراك أوباما، أول أفريقي ينام في مخدع أبراهام لنكولن. غير أنها غادرت قبل التسعين بقليل. قالت كلمتها ومشت. وتركت خلفها صورة جدة قروية الملامح، قروية الأنف، قروية الملابس، كأنها لا تزال ترتدي ملابس جدتها في لبنان.

بدأت هيلين عملها الصحافي حاجبة تنقل الأوراق في مكاتب «اليونايتد برس». وعندما بلغت البيت الأبيض قررت أن تبقى هناك، حتى صارت جزءا منه، مثل الحديقة الغربية، أو المكتب البيضاوي. ولم تترك لأحد أن يطردها؛ حملت معطفها القروي ولم تودع أحدا.