ليس الحمار.. وإنما ما يفعله!

TT

يقول لك الأديب العظيم تولستوي: إن الفن ليس فقط المسرح والموسيقى.. بل هذا هو أهون أنواع الفنون أو التفانين.. لأن الإنسان العادي فنان في حركاته ولغته وكلامه وصدقه وكذبه وما يسمعه وما يأكله.. كل هذه أشكال وألوان من التعبير بالكلمة أو بالإشارة.

ويقول أيضا «إن الفن نوع من العدوى ينتقل بين الناس، ويكون فن الامتزاج، أو هو اللقاء أو اللقاح بين اثنين فأكثر».

مثلا: نفرض أن طفلا صغيرا رأى ذئبا، وراح يصرخ ويقول: عيناه.. أنيابه.. اقترابه مني.. والطفل يبكي ويحكي. هذا الذي يفعله الطفل هو الفن. فقد قال ونقل إلينا كل ما أراد..

ونفرض أن هذا الطفل لم يصادف ذئبا ولا رآه ولا سمعه، ولكنه جاءنا يبكي ويصف خوفه واقتراب الذئب منه.. أنيابه وعيناه.. وأفلح هذا الطفل في أن يكسبنا إلى جواره ويدخلنا في تجربته ومحنته.. فهذا عمل فني أيضا.

وإذا كان هذا الذي قاله الطفل لأحد لم يهزه ولم يحركه وكأن الطفل لا قال ولا تخيل.. فهذا الرجل ليس فنانا ولا متذوقا للفن ولا حريصا عليه..

فالفن يجب أن نتلقاه بالإقبال عليه والرضا والامتلاء.. امتلاء بالمعاني والحرص على نقلها وتصويرها. ولولا هذا ما كانت فنون ولا كانت حضارة. والعرب قالوا: «الفنان هو الحمار»، لم يقصدوا الحمار.. يقصدون أنه ينتقل من فن إلى فن ويجري هنا وهناك. فهذا هو الفن والتفانين والتفنن، وأنت فنان أردت أم لم ترد..

والشاعر القديم يقول: «أنت كالتيس في قراع الخطوب..»، والعرب يقولون: «كالحمار في القفز والجري من فن إلى فن». فالحمار هو أبو التفانين.. وليس الحمار، وإنما ما يفعله الحمار!