وظيفة الهجوم الإسرائيلي على سفينة «مرمرة» التركية!

TT

المفترض أن يتوقف العرب والفلسطينيون، الذين ذهبوا بمطالبهم بعيدا للرد على جريمة مهاجمة الـ«كوماندوز» الإسرائيلي على سفينة «مرمرة» التركية التي كانت إحدى سفن «أسطول الحرية» الذي كان هدفه فك الحصار عن قطاع غزة، يتوقفوا أمام مسألتين ويدققوا فيهما جيدا وهما؛ أولا: الوظيفة السياسية للقرار الإسرائيلي باللجوء إلى القوة العسكرية المفرطة في مهاجمة هذه السفينة تحديدا وإيقاع كل هذه الخسائر بين ركابها، وثانيا: السبب الذي من أجله عقدت قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الاجتماع الذي عقدته في إسطنبول عشية كل هذه التطورات المتلاحقة.

وبداية فإنه لا بد من التأكيد على أنه لا توجد أي علاقة مباشرة بين اجتماع قيادة التنظيم العالمي لـ«الإخوان»، هذا المشار إليه، والقرار الذي اتخذته الجهات المعنية صاحبة القرار في الحكومة الإسرائيلية باستخدام ما يمكن تسميته الصَّعْقة العسكرية الشديدة في مواجهة «أسطول الحرية» واستهداف سفينة «مرمرة» التركية تحديدا. فنظرية «المؤامرة» غير واردة إطلاقا، لكن ما لا يمكن إلا أخذه بعين الاعتبار هو أن الضد وضده لا بد أن يلتقيا في الدائرة ذاتها عندما يكون الهدف واحدا والمسألة المقصودة هي نفسها.

كان بنيامين نتنياهو قد وجد نفسه محاصرا باستحقاقات عملية السلام حتى حدود الاختناق، فهو استُدعي إلى الولايات المتحدة في زيارة متوافقة ومتزامنة مع زيارة مماثلة لمحمود عباس (أبو مازن) حيث أدرك وعلم أيضا أنه سيقال له خلالها إن مواقفه وسياسات حكومته باتت غير مبررة وغير مفهومة من قبل الأميركيين وغدت لا تُحتمل من قبل العالم كله، وإن هذه السياسات العبثية تجاه أزمة الشرق الأوسط، التي بلغت ذروة التوتر، أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على المصالح الحيوية الأميركية في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية وحتى بحر قزوين، وأيضا حتى تلاقي الحدود الأفغانية - الصينية فوق قمة سلسلة جبال الهيمالايا.

كان مثل هذا الكلام قد قاله كبار جنرالات القوات الأميركية، التي تقاتل في العراق وأفغانستان، وأيضا المتمركزة في قواعدها في بعض دول الخليج العربي وفي بعض الدول الإسلامية الآسيوية التي كانت جزءا من الإمبراطورية الشيوعية السوفياتية، وكبار أجهزة مخابرات الولايات المتحدة. وكان بنيامين نتنياهو الذي يقود تحالفا في حكومة يمينية متطرفة مقيتة قد حاول دفع الكرة نحو الملعب الفلسطيني والعربي عندما لجأ إلى سلسلة من الإجراءات الاستفزازية ذروتها احتلال غزة، ومن بينها تصعيد عمليات الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، متوقعا أن يكون رد فعل الفلسطينيين والعرب التخلي عن المفاوضات غير المباشرة وسحب مبادرة السلام العربية.

لكن هذا لم يحصل. فالفلسطينيون باتوا أصحاب خبرة طويلة في المناورات والألاعيب الإسرائيلية والعرب الذين كان يجمعهم الخوف وتفرقهم مزايدات المزايدين من بينهم وجدوا أنهم سيصبحون بلا خيار إن هم فقدوا خيار مبادرتهم السلمية وهكذا فقد اتخذ نتنياهو قرار مهاجمة سفينة «مرمرة» بطريقة الصعقة العسكرية قاصدا إثارة الشارع العربي وتهييجه، لتجد الدول العربية نفسها مدفوعة تحت ضغط العواطف الجياشة المستغلة من قبل قوى المعارضة وتحديدا الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية للإقدام على ما عرف بأنه انتحار سياسي بسحب مبادرتها السلمية التي غدت هي سلاح حل الدولتين، أي دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

إن الوظيفة السياسية لهجوم الـ«كوماندوز» الإسرائيلي على سفينة «مرمرة» بكل تلك الوحشية والبربرية هي هذه الوظيفة، وكان هدف بنيامين نتنياهو ومن شاركه في هذا القرار من كبار المسؤولين الإسرائيليين هو أن تخضع الدول العربية وتخضع القيادة الفلسطينية لابتزاز الشارع العربي والإسلامي المدعوم بتحول تركي غير مسبوق إزاء صراع الشرق الأوسط، وأن ينسحب محمود عباس (أبو مازن) من المفاوضات غير المباشرة ويسحب العرب مبادرتهم فيصبح هو، أي رئيس الوزراء الإسرائيلي، حرا، وليقول للأميركيين والعالم: ألم نقل لكم إنهم لا يريدون السلام، وإن المبادرة التي ألقوها في الملعب الدولي هي مجرد مناورة «تكتيكية»، وإن ذهابهم إلى التفاوض هو مجرد ألاعيب سياسية؟

وحقيقة أنه كان على وزراء الخارجية العرب الذين التقوا في القاهرة في اجتماع طارئ أن يكونوا أكثر وضوحا وحسما، وأن يقولوا لبعض زملائهم الذين تبنوا صخب الشوارع للمزايدة عليهم، إن سحب المبادرة العربية وإلزام محمود عباس (أبو مازن) بعدم الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة يحققان أعز الأماني التي أرادها بنيامين نتنياهو عندما اتخذ قرار مواجهة «أسطول الحرية» ومهاجمة سفينة «مرمرة» بكل ذلك العنف وبتلك الطريقة الوحشية التي تشبه لدغة العقرب والصعقة الكهربائية.

كان على بعض وزراء الخارجية العرب أن يسألوا زملاءهم الذين زايدوا عليهم وحاولوا إرعابهم بزمجرة الشوارع وصخبها عن بديل سحب مبادرة السلام وانسحاب الفلسطينيين من المفاوضات غير المباشرة، وبخاصة أن اللجوء إلى الحرب والعمل العسكري غير وارد، وأن «حماس» نفسها غدت تطارد حتى حملة بنادق العصافير في غزة، وأن العالم كله وفي مقدمته الولايات المتحدة بات معنيا وبصورة جدية وعلى نحو غير مسبوق بإنهاء هذا الصراع الذي استطال أكثر من اللزوم في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، أي دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

وكان على الدول العربية التي تقبض على جمر القضية بالفعل أن تدرك أن هناك تناغما، ولكن دون مؤامرات ودون اتفاق، بين اجتماع قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الأخير في إسطنبول وبين قرار بنيامين نتنياهو الآنف الذكر. فالهدف في النهاية واحد وإسقاط عملية السلام المتأرجحة أصلا هو في مصلحة الطرفين وهو أيضا في مصلحة إيران محمود أحمدي نجاد وبعض الدول العربية التي أكثر ما يخيفها أن ينتهي إشغال جبهتها الداخلية بقضايا حروب التحرير والقضية الفلسطينية.

كان قرار قيادة التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» الذي أبلغته لمراقبي فروعها الذين شاركوا في اجتماع إسطنبول الآنف الذكر بأنه لا بد من استغلال هذا الحدث لترميم علاقات الحركة الإسلامية بشارعها العربي والإسلامي التي أصابها اهتزاز شديد في السنوات الأخيرة، وأنه لا بد من التحرك وفق خطة، هي الخطة التي حاولوا تطبيقها في بعض الدول العربية، لإرباك الدول المعتدلة، وبخاصة مصر والأردن، وإسقاط السلطة الوطنية، وبالتالي تدمير عملية السلام لتصبح كل طرق إيران محمود أحمدي نجاد آمنة وسالكة نحو هذه المنطقة، حتى وإن تلاقت بالنسبة لهذا مصالح وتطلعات الرئيس الإيراني مع مصالح بنيامين نتنياهو وتطلعاته وتطلعات هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.