أوباما يواجه مأزقا مزدوجا: النفط والاقتصاد

TT

قادت حادثة تسرب النفط في خليج المكسيك إلى أزمة مزدوجة بالنسبة إلى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فالطريقة التي تتعامل بها مع تحد يعد أكثر تعقيدا مما يبدو عليه، ستحدد نوع الصيف الذي يواجهه أوباما ونوع الانتخابات التي سيواجهها الديمقراطيون في الخريف المقبل.

وتتمثل المشكلة الواضحة في كيفية إمكانية الإدارة التغلب على كارثة تنذر بأن تكون خبرا مستمرا في وسائل الإعلام طوال العام. يقر المستشارون في البيت الأبيض بأنهم أساءوا معالجة الجانب العام من الحادث في الوقت الذي يصرون فيه على أنه منذ اللحظة الأولى لانفجار منصة الحفر النفطية، كان الرئيس أوباما يوفر الموارد على نطاق واسع ويستعد للأسوأ. ويقولون إنهم أحسنوا من ناحية إدارة الأزمة، لكن أساءوا من الناحية المهنية.

وقال المستشار البارز ديفيد أكسيلرود في مقابلة أجريت معه: «لا يستطيع أحد أن يراقب الاستجابة، ويقول إننا كنا متباطئين في القيام بما كنا نفعله». وأشار إلى «مجموعة كاملة من الخطوات اتخذها» أوباما «منذ البداية». لكنه أضاف: «لم نوصلها بصورة جيدة». ويقدم أكسيلرود قائمة طويلة من الحقائق والأرقام لتدعيم نظرته لإدارة تسيطر على الأمور. ومما لا شك فيه أن إخفاق فريق أوباما في تفسير ما كانوا يقومون به، وتعيين فرد يتحدث بثقة عن خططهم، وجعل دور الرئيس أكثر وضوحا في مرحلة مبكرة، كل ذلك ساعد على تغذية سرد إعلامي لا يريد أي من القادة مواجهته، وهو جدال شعبي حول ما إذا كان المأزق الذي يواجهه يشبه بصورة أكبر إعصار كاترينا أو أزمة الرهائن في إيران.

لكن من هنا يأتي المأزق المزدوج. سيكون الإغراء الآن هو الاستجابة بطريقة تشجع تركيز أحادي الهدف على كارثة الخليج. وجزء من ذلك أمر لا مفر منه: بعد التباطؤ في تفسير ما كانوا يقومون به، لدى مساعدي أوباما مصلحة كاملة في ملء موجات الأثير بأعمال وتصريحات رسمية تؤكد على بؤرة التركيز والعزم والتعاطف. وهذا هو السبب في أن أوباما سافر مجددا إلى لويزيانا يوم الجمعة الماضي، واستغل خطابه الإذاعي يوم السبت لتقديم وصف مفصل لشدة استجابته، وشملت مقتطفات من خطابه: «17500 جندي من الحرس الوطني»، «أكثر من 20000 فرد.. يعملون بصورة متواصلة»، «1900 سفينة.. تساعد في عملية التنظيف».

ومع ذلك، فالحقيقة البسيطة هي أن أهم قضية سياسية تواجه البلاد ليست بقعة النفط، بغض النظر عن آثارها المروعة، لكنها الاقتصاد. وعلى الرغم من أن أرقام الوظائف التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة كانت إيجابية من الناحية النظرية، إلا أنها كانت مخيبة للآمال.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، وفرت الدولة 431 ألف وظيفة جديدة، وهو أكبر عدد من الوظائف يتم توفيره بصورة شهرية على مدار عقد من الزمان، وانخفض معدل البطالة إلى 9.7 في المائة من 9.9 في المائة. بيد أن معظم الوظائف الجديدة جاءت من التوظيف المؤقت في الإحصاء السكاني لعام 2010. ووفرت الشركات في القطاع الخاص 41 ألف وظيفة فقط، وهو ما يعد أقل من التوقعات وأقل بكثير من الوظائف التي تم تقديمها في شهر أبريل (نيسان) الماضي 218 ألف وظيفة.

وفي تقييم دقيق وصريح للأرقام الجديدة، أشارت كريستينا رومر، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، إلى أن «المستوى العالي والمتواصل للبطالة والانكماش في نمو الوظائف في القطاع الخاص يؤكد على الحاجة إلى يقظة مستمرة». وشددت على الحاجة الملحة إلى «تحركات تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على توفير وظائف ومنع الانخفاض المتواصل في الوظائف في الدولة والحكومات المحلية». وأشارت تعليقاتها إلى أزمة أخرى في أزمات الاتصال التي تواجهها الإدارة. ونظرا لاستطلاعات الرأي التي تشير إلى مخاوف متنامية بشأن العجز الفيدرالي، كان من الصعب للغاية حشد الدعم، حتى بين الديمقراطيين، لاتخاذ مزيد من الإجراءات لتعزيز الانتعاش الاقتصادي الذي لا يزال متباطئا حتى الآن. وحتى أوباما نفسه تحدث في بعض الأحيان عن قلقله العميق بشأن العجز على المدى الطويل، وشكل لجنة يسلط وجودها الأضواء على المشكلة.

والمشكلة هي أن جُل حديث الرئيس عن العجز المالي يقوض من أي تأييد لاتخاذ إجراءات متعلقة بالإنفاق على المدى القصير، التي يعرف مستشاروه، المطلعون على العجز، أن الاقتصاد في حاجة إليها. ومن الصعوبة إلى حد بعيد تفسير السبب في أن العجز في مستوى جيد الآن وسيكون في مستوى سيئ فيما بعد. وعندما يتعين على الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية استعادة مشروع قانون توفير الوظائف للحصول على عدد كاف من الأصوات لتمريره – ولا يستطيع العثور على 23 مليار دولار لإنقاذ 300 ألف مدرسة يواجهن خطر التسريح – فإنه يتعين على دعاة تطبيق خطط إنقاذ إضافية معرفة أنهم يفقدون الحجة السياسية.

وبالتالي، فإن اختبار أوباما هو أنه يحتاج إلى إرساء أنه يفعل كل ما بوسعه لإصلاح الأضرار في الخليج في الوقت الذي يحافظ فيه على تركيزه على الاقتصاد ويقنع الديمقراطيين المحافظين المترددين بأن مهمة إنهاء الانكماش الاقتصادي لم تنته بعد. وعلى الرغم من أن الانطباعات الأولية لطريقة تعامل أوباما مع أزمة تسرب النفط قد تفتقر إلى الموضوعية، فيتعين عليه ألا يتركها تسيطر على الموقف. كما يتعين عليه ألا يترك المياه الملوثة بالنفط تغمر أولوياته.

ويجدر بنا أن نتذكر أنه في حين أن العد التنازلي اليومي بشأن أزمة الرهائن في إيران ساعد على إنشاء برنامج تلفزيوني شهير، كان الاقتصاد الجامح في نهاية المطاف هو العامل الذي قلب رئاسة جيمي كارتر.

* خدمة «واشنطن بوست»