درس اللغة العربية

TT

قبل بضعة أيام من كارثة الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» كنت قد بدأت تعلم اللغة العربية. فقد عشت تسعة عشر عاما في مدينة الجليل، عن قناعة مني. ويبدو تعلم اللغة العربية بالنسبة لي الآن أمرا بالغ الأهمية، إذ كنت أطمح إلى المساعدة في سد الفجوة بين العرب واليهود.

اسم معلمتي سامية، وهي بالفعل صديقة عزيزة إلى قلبي. أما ابنة سامية ففي نفس عمر بنتي، وقد اعتادتا اللعب معا إلى أن افترقتا، كما يفعل الصبية المسلمون واليهود. لكنني احتفظت أنا وسامية بصداقتنا الوثيقة، حتى أننا أنشأنا جماعة سلام نسائية محلية، وتجاوزت صداقتنا محن الانتفاضة والتفجيرات الانتحارية وتنامي التطرف الديني. وخلال الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله في صيف 2006، سارعت إلى زيارتي عندما أصيب ابني، جندي بالمشاة، في المعركة للاطمئنان على سلامته.

لعل ذلك كان السبب في أنني لم أتوانَ يوم الثلاثاء صباحا عن ركوب دراجتي من قريتي اليهودية إلى قريتها المسلمة التي تقع على الطريق السريع من أجل درس اللغة العربية.

يقع منزل عائلة سامية في شارع ضيق في قلب القرية، كان التلفزيون يضيء الغرفة عندما دخلت إلى شقتها ولم تتحرك لتغلقه. سألتني بالعبرية «هل وصلتك أي أخبار جديدة؟ لقد هاجموا السفن التي حاولت الوصول إلى غزة. إنهم يقولون إن عرب إسرائيل سيشنون حربا مدنية في الغد» ثم زفرت بحسرة وغضب.

قلت لها «هذا أمر رهيب» ثم جلست إلى طاولة في المطبخ كان ظهري نحو التلفزيون، لم أتحمل أن أشاهد الأخبار، فقد كنت أحاول جاهدة تصريف الأفعال العربية «فعل وذهب» و«يملك» وكنت أرغب في أن أكرر الكلمات اليومية العادية، قلم رصاص ومكتب ومساء، وهي كلمات رائعة، لكني لم أتمكن حقا من نطقها. كنت أرغب من سامية أن تضحك كما كانت تفعل كل يوم، عندما قالت لي «أنت بحاجة إلى طبيب أنف وأذن وحنجرة».

لكنها كانت في حالة مزاجية سيئة. خرجت ابنتها دارين من غرفة نومها وكانت في طريقها إلى الجامعة القريبة من منزلهم حيث تدرس علم الجريمة. أعدت لنا سامية قدحا من القهوة العربية وسكبت بعضا منها لدارين لتمضي إلى جامعتها.

قالت سامية: «قلت لدارين إذا دار شجار بين الطلاب العرب واليهود فإن عليها التزام الهدوء وعدم التدخل».

أومأت برأسي، وفكرت في ابنتي الصغرى، ليبي، التي هي في عمر دارين، التي ستتطوع في أحد الأحياء المنكوبة في القدس، وابنتي الكبرى، آماليا، معلمة التربية البدنية في الجيش الإسرائيلي. لكن لا أحد يعلم ما سيحدث فيما بعد.

قالت لي سامية مشيرة إلى صورة، لمنزل وبعض الأشجار، في كتاب النصوص: «الآن الوقت صباحا.. متى تستيقظين من النوم؟» رددت عليها بلغة عربية رديئة «في الساعة السادسة صباحا. ومتى تستيقظين أنت؟» قالت لي: «في الساعة العاشرة، فأنا لا أستطيع النوم خلال الليل».

أنا أعرف السبب في ذلك، فقد تركها زوجها قبل سنوات قليلة، لكننا نادرا ما نتحدث في هذا الأمر، فقد كان الأمر مؤلما كالسياسة. ثم تابعنا الدرس لنتحدث فيما بعد عن الشمس والقمر والنجوم. سألتها بعد ساعة «متى أحضر غدا؟».

قالت لي: غدا لن يكون جيدا، فغدا ستتوقف المدارس وستكون هناك مظاهرات.

انفطر قلبي، وتخيلت نفسي أرتكب خطأ، بأن أركب دراجتي في القرية، وأحاول أن أثبت أنني امرأة يهودية مسالمة تحاول تعلم العربية من أجل السلام لأفراد لا يملكون سوى النحيب ورمي الحجارة؟ وسألتها بالعربية «هل سيكون يوم غد غير آمن بالنسبة لي؟».

قالت مشيرة إلى سن مفقودة في فمها: «لا.. ربما لا.. ولكني مضطرة إلى الذهاب إلى طبيب الأسنان». تنهدت بارتياح.

في بعض الأحيان في وسط النضال يبدو أي شيء طبيعيا وروتينيا، حتى الذهاب إلى طبيب الأسنان أمر جيد.

* خدمة «نيويورك تايمز»