رسالة على الحكومة الإيرانية ألا تتجاهلها

TT

بعث مجلس الأمن الدولي رسالة قوية إلى إيران مفادها أن العالم لن يسكت على رفضها التفاوض حول برنامجها النووي. هذا القرار الجديد تعبير عن العزم والتصميم الذي ترحب به الحكومة البريطانية الجديدة، ولعبت دوراً رئيساً في التوصل إليه. ويصادف يوم غد ذكرى انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت عام 2009 وما تلاها من أحداث مثيرة. ومع أن الحدثين مختلفان إلا أنهما يرسمان صورة لإيران معزولة ومتصادمة مع المجتمع الدولي ومع الكثير أيضا من أبناء شعبها.

وغالباً ما تنحي الحكومة الإيرانية في مشاكلها باللائمة على بريطانيا والعالم الخارجي. لكن يجب ألا ينطلي ذلك على أحد. حيث تتطلع الحكومة البريطانية إلى علاقة بناءة مع إيران، فهي دولة مهمة ذات تاريخ طويل عريق وشعب حي وفتيّ. وما من أحد منا يستفيد من عزلة إيران التي تجلبها لنفسها وتستثنيها من التشاور حول قضايا تهمها وتهم المنطقة، وتهمنا نحن أيضاً في بريطانيا. كما أن عزلة إيران لا تخدم مصالح الملايين من الشباب الإيراني الذي يجد نفسه متخلفاً عن الركب على المسرح الدولي، غير قادر على استغلال طاقته ومهاراته على أكمل وجه أو الاستمتاع بالحقوق والحريات التي يستحقها كافة أفراد الشعب.

إن رد الرئيس أحمدي نجاد على قرار عقوبات الأمم المتحدة كان متوقعا. فبتشبيهه العقوبات على أنها «مناديل مستهلكة، لا تصلح سوى لإلقائها بحاوية القمامة»، ربما يكون قد شد إليه انتباه وسائل الإعلام، لكنه يتجنب القضية الأساس بالنسبة لحكومته، ألا وهي أنه سيكون لهذه العقوبات تأثير حقيقي على وضعها الاقتصادي. ودعوته إيران لإعادة النظر في علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لن تؤدي إلا إلى تقوية الإحساس بعزلة إيران عن العلاقات الدولية الطبيعية.

هذه العزلة من صنع الحكومة الإيرانية نفسها. فخلال العام الأخير واصلت تخصيب اليورانيوم، وتحدت قرارات الأمم المتحدة، وتجمَّع لديها مخزون من اليورانيوم يكفي لإنتاج سلاح نووي مع مرور الوقت. ولم تفلح حكومة إيران في الأشهر الأخيرة بفعل ما يغير هذه الحقائق. وبينما نرحب بالجهود الأخيرة للتوصل إلى اتفاق لتزويد مفاعل الأبحاث الإيراني بالوقود (وهو اتفاق رفضته إيران فيما سبق)، فإن هذا الاتفاق لم يبدد مشاعر القلق الأوسع نطاقاً حول برنامجها. وكانت طهران تعلم أن عقوبات جديدة سوف تفرض عليها إن هي لم تمتثل لقرارات الأمم المتحدة. وكل ما تقوله خلافاً لذلك هو تحريف للحقيقة.

تزعم الحكومة الإيرانية بأن برنامجها النووي سلمي. لكنها لا تستطيع تفسير سبب مشاركة الذراع العسكري للدولة بكل ثقله في هذا البرنامج، أو تفسير سبب إصرارها على تخصيب اليورانيوم، في حين أنها لا تملك محطات الطاقة التي تحتاج إلى مثل هذا الوقود. ومن الحتمي أن يدفع تاريخها من السرية والخداع بشأن برنامجها النووي دولاً أخرى إلى الاعتقاد بأن في نيتها تطوير قدراتها لإنتاج أسلحة نووية.

إن تصرفات طهران تؤدي إلى خطر سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وإلى تقويض خطير لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في وقت جدد فيه المجتمع الدولي للتو التزامه بعالم خال من هذه الأسلحة. لهذا السبب تشتد الحاجة إلى إجراء دولي، ومن هنا أيضاً ضغطت حكومتنا الجديدة هذا الأسبوع تجاه فرض عقوبات الأمم المتحدة، ولسوف نطالب بكل جدية بإجراءات إضافية قوية من الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القادمة، إلى جانب تعاون وثيق مع شركائنا في المنطقة. وسيكون في تعزيز عقوبات الأمم المتحدة امتحان كبير لعزم الدول الأوروبية، ومثال إيجابي على كيفية استغلال الثقل السياسي والاقتصادي الجماعي للاتحاد الأوروبي ليكون لها تأثير ملموس.

يسعى البعض إلى التقليل من أهمية هذه الأزمة واعتبارها صراعا ما بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما من جهة أخرى. وتسعى الحكومة الإيرانية إلى تصوير نفسها على أنها نصيرة لدول العالم النامية في مواجهة الغرب الإمبريالي الذي لا يبالي. لكن ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة مما تزعم. حيث كون المكسيك ونيجيريا وأوغندا من بين الدول التي صوتت لصالح فرض عقوبات جديدة يكشف دعاية إيران على حقيقتها. وتصرفات إيران تجاه المسألة النووية تقوض موقف الدول غير الحائزة للأسلحة النووية التي تحترم القرارات، كما أن موقفها في الشرق الأوسط يقوض - وعلى نحو غير مقبول - جهود من يدعمون عملية السلام.

إننا نسعى إلى حل طويل الأجل لهذه المسألة عبر الدبلوماسية والمفاوضات. لهذا السبب فإننا نواصل حث الإيرانيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومناقشة برنامجهم النووي. ولسوف يزداد مع مرور الوقت الضغط على إيران كي تقبل بالحوار. إنها رسالة على الحكومة الإيرانية ألا تتجاهلها.

وإضافة إلى العقوبات فإن الكلفة التي ستتكبدها إيران نتيجة اختيارها التحدي عالية حقا. فإنتاجها من النفط يتناقص بسبب قلة الاستثمار من الشركات الدولية. ويمر اقتصادها بأوضاع مزرية، ما يضيف مشكلة انعدام الفرص إلى القمع السياسي الذي يعاني منه سكانها، وهو أمر حي في أذهان الجميع خلال عطلة نهاية الأسبوع الآتية. وليس من شأن هذه العوامل سوى تأكيد حاجة إيران لتغيير مسارها.

يمكن لإيران أن تتمتع بعلاقة أفضل بكثير مع العالم الخارجي. وسوف يرد المجتمع الدولي ويتجاوب بين ليلة وضحاها مع أي تغيير من الحكومة الإيرانية إذا ما اتخذت خطوات معقولة لاستعادة الثقة في أنها جادة في نواياها. وتظل بريطانيا وشركاؤها مستعدين لمقابلة المفاوضين الإيرانيين في أي وقت لإجراء مناقشات مجدية حول برنامجهم النووي. ولقد عُرض على إيران جملة حوافز كانت ستؤدي إلى رفع العقوبات وتقديم منافع تجارية، وحوار حول قضايا دولية رئيسة، والأهم من كل ذلك تعاون حول الطاقة النووية السلمية التي تزعم إيران بأنها هدفها. إنه عرض كبير ومهم، وقُدِّم بنية حسنة، أكدت عليه الحكومة البريطانية الجديدة مرة أخرى. وإننا ندعو الحكومة الإيرانية إلى أن تفكر بعناية بهذا العرض الذي يعتبر محاولة صادقة لتغيير العلاقة بين حكومتينا ويرسم طريقاً للمستقبل يمكن أن يبدد كل هواجسنا. إن أسلوب رفض إيران للتفاوض حول برنامجها النووي لن يجدي، كما ولن يضعف إصرارنا وعزمنا.

* وزير الخارجية البريطاني

- خاص بـ «الشرق الأوسط»