وداعا يا كل شيء!

TT

خلاص.. أنا وضعت النقطة في نهاية السطر. فالكلمات أخذت تتوارى ويأخذ بعضها برقاب بعض. ولم يتبق إلا هذه النقطة. لا هي في أول السطر ولا هي في آخره. إنها وحدها السطر. انتهى كل شيء. تأكدت وحدتي وعزلتي ونهايتي الجليدية.. فأنا طائر البطريق.. قطعة من الثلج فوق جبل الجليد. ولن أؤذن في الجليد. لا أحد. إن هذه الأصوات أو الهمهمات حولي ليست إلا العواصف الثلجية في معاركها الأخيرة ضد الجبال، تحاول أن تصدها وتردها حتى تتجه، إلى الجنوب والشمال، ماء عذبا يعيش عليه الإنسان والحيوان. حتى هذا لم يعد. فكل حيوان ضرب بمنقاره الجليد وكتب صفرا.. كل ما حولي نقط.. سوداء وبيضاء وعلامات استفهام وتعجب وعلامات اللانهاية. انتهى!

لا أتلفت حولي. فلا داعي لذلك. فلا أحد هناك. لا أحد أراه أو أتوقعه أو أكلمه. انتهى. فكل من أحببت في دنياي وفي عمري قد مات.. أمي وأبي وإخوتي وخالاتي وعماتي وجداتي وجاراتي وصداقاتي وعداواتي.. وكل هذي الحروف.. فلم يبن منها إلا النقط..

أنا الآن شاهد على قبورهم.. أنا الآن إصبع مرفوعة.. فقد كان في نيتي أن أقول ولكن تجمد الكلام.

لقد كان الصوفي الألماني كهارت يصف الخلود بأنه الجليد الصامت الممتد أبدا من لا بداية إلى لا نهاية. وأن هذه هي السعادة المطلقة.. انتهى كل شيء ولست في حاجة إلى شيء. وليس شيء في حاجة إلي.. أنا الذي ليس له ولن يكون له وجود. وحتى لو كان فأي وجود في دنيا العدم؟ وداعا يا كل شيء!