إيران: عقوبات وحصار

TT

تطرقت في الأسبوع الماضي إلى تعريف الحصار بمفاهيمه الحديثة وترجمة معانيه على حصار غزة. وجاءت التطورات هذا الأسبوع بإصدار مجلس الأمن للقرار رقم 1929 الذي يفرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي. القرار ينذر بزيادة درجة التوتر في منطقة الخليج، ويفرض أجواء جديدة من العلاقات بين إيران وجاراتها والمجتمع الدولي. العقوبات التي قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنها ستُفرض بتشدد على إيران، ستخلق أجواء من التصعيد في مياه الخليج العربي، وقد تقود إلى مواجهات مسلحة - وإن كانت متفرقة ومحدودة - وخصوصا في حال تفتيش السفن المغادرة من الموانئ الإيرانية أو المتجهة إليها.

وتستخدم كلمة «عقوبات» في السياسة اليوم ترجمة لكلمة «SANCTIONS» الإنجليزية، وهي تختلف في معناها عن الحصار «SIEGE»، فمدلولاتها توحي بالدقة والاختيار، على عكس كلمة «حصار» التي توحي بالشمولية والقسوة.

والعقاب نوعان: خير أو شر. فالعرب تقول «أعقب فلانا» أي كافأه بخير. الرئيس الأميركي أوباما توعد إيران «بالعقاب» - أي بالشر لا الخير - لكنه أشار إلى أن المجتمع الدولي سوف «يعقب إيران» أي يجازيها خيرا إن هي تعاونت مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وأثبتت سلامة برنامجها النووي.

والعقب هو الخلف، والتعاقب كلمة حديثة تعني التتابع، ويقال «تعاقب الليل والنهار»، والعاقبة هي التالية أو الآخرة، وجاءت في القرآن الكريم: «والعاقبة للمتقين» أي أن الآخرة التي تعقب الدنيا ستكون للمتقين. والمثل الشعبي الخليجي يقول: «جاء عُقْبه وعقّبه» - أي أنه تلاه بالترتيب، ولكنه تفوق عليه وتجاوزه.

و«اعتقاب» السلعة يعني حبسها وعدم تصديرها للمشتري حتى يقبض البائع ثمنها، وستشهد التعاملات التجارية مع إيران بعد قرار مجلس الأمن الأخير «اعتقابا» للسلع والبضائع بسبب تشديد الرقابة على البنوك الإيرانية ومنع التعاملات التجارية معها، بما في ذلك البنك المركزي الإيراني. وهو الأمر الذي سيخلق مشكلات مصرفية كبيرة مع البنوك الدولية، وبالذات بالدول الخليجية المجاورة التي تربطها تعاملات مصرفية نشطة مثل الكويت وقطر ودولة الإمارات. وستجد هذه الدول نفسها في وضع لا تحسد عليه: فمن ناحية هي ترغب في التعامل الحسن مع جارتها إيران، ومن ناحية أخرى لا يمكنها الخروج على الإجماع الدولي بمقاطعة البنوك الإيرانية والتشديد على التحويلات المصرفية.

والعقب هو مؤخرة القدم، ولعل خليج العقبة اكتسب اسمه من شكله، أو من أنه في مؤخرة البحر الأحمر، وكذا اشتق اسم مدينة العقبة الأردنية وبعقوبة العراقية.

ويقال: «عاد على أعقابه» أي أنه رجع من حيث أتى، ويتمنى كثيرون من محبي إيران والسلام في المنطقة أن تعود على «أعقابها» وتتخلى عن تشددها بعدم التعاون مع الوكالة الدولية، حتى لا تتطور «أعقاب» الأمور (أواخرها)، ويتصاعد الموقف نحو مواجهات لا تحمد «عقباها».

الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن «تعاقبوا» على إيران – أي تعاونوا - واستصدروا قرار العقوبات الجديد، وسقطت كافة الرهانات الإيرانية على الموقفين الروسي والصيني، بل إن مندوب الصين بمجلس الأمن صرح بأهمية تنفيذ هذا القرار بحذافيره.

كثيرون في المنطقة ممن تابعوا قرار العقوبات، رددوا بين أنفسهم: «عقبال إسرائيل» التي ترفض حتى اليوم التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

تركيا رفضت الموافقة على القرار، لكنها ملتزمة به، وتلك حذاقة سياسية تركية: القرار سيمر بموافقتي أو من دونه، فلماذا أظهر متوافقا مع الغرب ضد إيران «الجارة المسلمة»، في وقت لا أزال أجني حصاد «أسطول الحرية» وأعزز مواقعي كدولة محورية مؤثرة في المنطقة؟

كلمة «عقوبة» باللهجة الخليجية تعني «مصيبة»، وتطبيق القرار بالنسبة لدول الخليج العربية «عقوبة» وعدم تطبيقه «عقوبة».